تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[16 - 03 - 08, 10:42 م]ـ

أعتقد أن الموضوع مهم جدا لأنه يمكننا من التعمق فى دراسة أحد المجالات المهمة فى تاريخ الأندلس الاجتماعى: مجال التعايش بين النصارى الخاضعين والمسلمين المسيطرين وهم يحتفلون معا بالأعياد المسيحية. لقد فرض المهزوم نفسه على المنتصر كما حدث فى مرات عديدة، وجاء ذلك بالتحديد فى المجال الذى يفصل الجانبين: المجال الدينى. من هنا تجئ حسرات الفقهاء التى سنستمع إليها وهم يدعون المتدينين المسلمين إلى التخلى عن تلك الأعياد المسيحية ولفتهم الأنظار إلى تنامى "الإلحاد" على جانبى مضيق جبل طارق. كان يجب عليهم ذلك، وكأتباع متحمسين لمذهب الإمام مالك توجهوا إلى السماء وهم أمام أمر يهدد سلامة معتقدات أبناء دينهم. كان الأمر عبارة عن قدر مبالغ فيه من الحمية الدينية إذ أن ذلك لم يكن معناه إطلاقا اقتراب المسلمين من العقيدة المسيحية، وكان الفقهاء أول من يعلم ذلك. وقد كان لهذه الظاهرة سابقة فى الشرق لاحظها آدم ميز وعرضها باقتدار:

"إن مقدار هشاشة قشرة الطلاء الإسلامية -التى كانت تغطى حياة الشعب –تأكده الأعياد. كان المسلمون يحتفلون مع المسيحيين بالأعياد الدينية المسيحية إذ أن معظم الأعياد المسيحية كانت تعكس عادات شعبية قديمة، وهكذا فإن كثيرا من أماكن الحج القديمة فى مصر والعراق كانت مراكز لعبادات وثنية، و لم تكن الأيام المخصصة للاحتفال بقديسى الأديرة المسيحية القائمة هناك، سوى أسماء جديدة لاحتفالات تخص الآلهة القديمة. إن مسلمى البلد لم يرفضوا متعة الاحتفال بهذه الأعياد التى أسعدت حياة الجدود من الوثنيين والمسيحيين. لكنهم -على العكس من المسيحيين – رفضوا تأسيس أساطير جديدة واقتصروا على أن تترك للمسيحيين الاحتفال الدينى وأن يشتركوا معهم فقط فى الجانب البهيج كما كان يفعل الآباء" (9)

بالفعل وبرغم التحذير الموجود فى الأحاديث النبوية -أو تلك التى لم تتأكد صحة نسبها للنبى- التى تمنع المسلمين من المشاركة فى الأعياد المسيحية فإن عامة الشعب وأصحاب المناصب العليا بل الخليفة نفسه كانوا يندمجون تماما فى تلك الأعياد التى تخلو-بالنسبة لهم – من المضمون الدينى.

لايستطيع المرء أن يتجاوز هذه الفقرة دون أن يشير إلى خطأ المؤلف في تحليله لظاهرة احتفال بعض المسلمين بالأعياد النصرانية في ضوء عبارة آدم ميتز.

فإن إشارة ميتز إلى كون دين الإسلام في الأندلس مجرد قشرة هشة رقيقة، هو تصور بعيد تمامًا عن الحقيقة، ويغفل كثيرًا من الواقع الديني لهذه الأمة وما زخر به من تحديات واحتكاكات بين المسلمين والنصارى وتاريخ الحروب الصليبية في الأندلس.

كما يتجاهل عجز حكام النصارى في أجيال متتالية عن نزع هذه "القشرة الهشة الرقيقة" عن الموريسكيين المسلمين الذين ظلوا على ولائهم الكامل لهذا الدين رغم ما يحيط بهم من أخطار ومصاعب.

إنما قصارى ما في الأمر هو أن بعض المسلمين قد أصابتهم عدوى الاحتفال بهذه الأعياد النصرانية من جيرانهم النصارى، وهذا أمر مشاهد وملموس بين الجيران من كافة الأشكال ..

فانعقاد أواصر العمل والجيرة والصداقة والمعاملة الحميمة بين المسلمين والنصارى يؤدي بكل تأكيد إلى تشرب المسلمين بعض عادات النصارى وتقاليدهم الدينية ..

كمن يصاحب نافخ الكير، فلابد أن تناله رائحته!

أما الذهاب بعيدًا في الاستنتاجات من نوعية (فرض المهزوم نفسه على المنتصر) و (هشاشة قشرة الطلاء الإسلامية)، فهو إيغال في التهويل وعدم الموضوعية وخلق تصورات بعيدة عن الواقع.

والواقع أن المرء يجب أن يتناول بمنتهى الحذر الدراسات الغربية التي ترمي إلى التهويل من التأثير النصراني في المجتمعات الإسلامية، فهي لا تهدف إلى الصراحة والإنصاف بقدر ما تسعى للمبالغة في الدور النصراني في تكوين الثقافة الإسلامية والشخصية الإسلامية.

وليس بعيدًا عنها تلك الدراسات التي تُرجع الإسلام عقيدةً وكتابًا إلى أصول يهودية ونصرانية.

والله غالب على أمره.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير