لما وصل فارا الى مدينة فاس استقبلته هذه البلدة الطيبة استقبالا رائعا، و لقي من أهلها كل ترحيب و تبجيل، فقد احتفى به علمائها و فقهائها، و أقبل عليه العلماء و طلبة العلم ينهلون من دروسه و فقهه ما جعله ينسى غربته، و يستقر فيها هو و أهله، حتى وفاته رحمه الله، و بمدينة فاس كان يحضر مجلس القاضي
محمد بن محمد بن عبد الله اليفرني الشهير بالقاضي المكناسي (ت 917 هـ)، كما أخذ العلم عن معاصره
- الامام المسند المحدث المقرئ ابن غازي المكناسي (ت 919)، و قد اجازه بجميع مروياته و فهرسته المسماة (التعلل برسوم الإسناد)
وقد قام بتحقيقها الاستاذ محمد الزاهي، و نشرتها دار المغرب الدار البيضاء: 1399هـ/1979هـ.
و قد ذكره تلميذه الونشريسي في فهرسته فقال عنه:
كان متقدما في الحديث حافظا له واقفا على أحوال رجاله وطبقاتهم ضابطا لذلك كله مقنيا به ذاكرا للسير والمغازي والتواريخ والأدب فاق في ذلك حلة أهل زمانه وألف في الحديث حاشية علي البخاري في أربعة كراريس وهي أنزل تواليفه واستنبط من حديث أبا عمير ما فعل التغير مائتي فائدة وله في التاريخ الروض الهتون وفهرسة شيوخه وكان يسمع في كل شهر رمضان صحيح البخاري قال وبالجملة فهو آخر المقرئين وخاتمة المحدثين" [عبد الحي الكتاني فهرس الفهارس: (2/ 892)].
و هكذا العالم الحقيقي فان كبر سنه و ما بلغه من علم و فقه لم يمنعاه من طلب العلم و الجلوس للأخذ و التلقى عن العلماء.
و أقبل عليه طلاب العلم يستفيدون من دروسه و مجالسه، فكان يدرس المدونة و مختصر ابن حاجب الفرعي،
و علوم العربية من نحو و صرف و بلاغة.
قال المنجور في فهرسته ص 50: " و كان مشاركا في فنون من العلم حسب ما تظمنت فهرسته ..... و كان فصيح اللسان و القلم، حتى كان بعض من يحضر تدريسه يقول: لو حضر سيبويه لأخذ النحو من فيه، أو عبارة نحو هذا ".
و اشتهر اكثر ما اشتهر بالفتوى و الفقه، فكان الناس يقصدونه من كل صوب يستفتونه، كما راسله العلماء يطلبون منه الافتاء و الرأي.
تلاميذه:
استفاد من علمه و فقهه و تخرج على يديه عدد من الفقهاء الذين بلغوا درجات عليا في التدريس و القضاء و الفتيا منهم:
- ولده عبد الواحد الونشريسيي، شهيد المحراب قاضي فاس و مفتيها (ت 955 هـ)
- محمد بن محمد ابن الغرديس التغلبي قاضي فاس و ابن قاضيها (ت 976 هـ)،
- محمد بن عبد الجبار الورتدغيري المحدث الفقيه (ت 956 هـ)،
- ابن هارون المطغري، أبو الحسن علي بن موسي بن علي ابن موسى بن هارون وبه عرف من مطغرة تلمسان " الإمام العلامة المؤرخ المتفنن مفتي فاس وخطيب جامع القرويين، توفي بفاس سنة 951 وقد ناف على الثمانين " و غيرهم خلق كثير.
آثاره:
- المعيار المعرب و الجامع المغرب عن فتاوى إفريقية والمغرب.
- إيضاح المسالك الى قواعد الإمام مالك.
- القواعد في الفقه المالكي.
- تعليق على ابن الحاجب.
- المنهج الفائق، والمنهل الرائق في أحكام الوثائق.
- غنية المعاصر والتالي على وثائق الفشتالي.
- اضاءة الحلك في الرد على من أفتى بتضمين الراعي المشترك.
- الولايات في مناصب الحكومة الاسلامية والخطط الشرعية.
- المختصر من أحكام البرزلي.
- الفروق في مسائل الفقه.
و غيرها.
وفاته:
توفي رحمه الله يوم الثلاثاء موفى عشرين من صفر سنة 914 هـ، وقد ناف عن 80 عاما بمدينة فاس و دفن بها.
كلمة عن موسوعته الفقهية: " المعيار المعرب عن فتاوى إفريقية والمغرب"
هذه الموسوعة الفقهية تقع في 12 مجلدا، و قد حوت على اجتهادات فقهاء القيروان و بجاية و تلمسان و فاس و مراكش و سبتة و غرناطة و قرطبة و غيرها من عواصم الغرب الاسلامي طوال ثمانية قرون، و قد التزم فيها الونشريسي الأمانة العلمية و النقل الصادق فكان " يثبت اسماء المفتيين و نصوص الاسئلة الا في حالات نادرة جدا يعتذر فيها عن عدم وقوفه على نص السؤال او يقول سئل فلان عن مسألة او مسائل تظهر من الجواب، و ياتي بنصوص الاسئلة كما هي و لو انها في الغالب محررة من طرف العوام او اشباه العوام، و لا تسمح له امانته العلمية بالتصرف فيها او تقويمها، فتنحرف احيانا عن الاسلوب الفصيح، فلذلك تجد الكلمات الدارجة و العبارات الملحونة
استغرق فيه نحو ربع قرن من نحو سنة 890 هـ الى سنة وفاته 914 هـ
¥