أقول: أمّا عتيب جد قبيلة عتيبة الحجازية فإنه قبل الهجرة بنحو قرن أو قرنين من الزمان حيث وجدت تسلسلاً مدوّنًا خلال القرن الثالث عشر الهجري لأحد رجال النفعة من عتيبة ساق نسبه إلى سعد بن حجاج وعتيب ثم شباب، واستنادًا إلى قاعدة ابن خلدون لكل ثلاثة أجيال مائة سنة اتضح لي أنّ عتيب جد قبيلة عتيبة جد جاهلي، والله أعلم، وهو على كل حال ليس قريبًا مما ورد في مشجرة العراق، والبون شاسع بينهما، كما أنّ بني سعد كنانة في بلاد الحجاز يطلق عليهم عتيبة منذ القدم؛ فنص المرجاني في القرن الثامن الهجري عندما ذكر وقدان في نخب وقال عنهم: وقدان جماعة من عتيبة، وكذلك نصوص آل فهد وغيرهم من مؤرخي مكة المكرمة عندما يذكر بنو سعد بعتيبة خلال القرن التاسع الهجري، وقد مر بك ذلك منها في كتاب: "إتحاف الورى حوادث سنة 874 - 875هـ"، لابن فهد، حيث جاء في الخبر الأول أنّ شريف مكة محمد بن بركات غزا بعض عرب عتيبة لأنهم قطعوا المجود ووصفوا بأنهم من عرب الشرق، وفي الخبر الثاني ذكر أنّ شريف مكة نفسه سافر إلى الشرق وأنّ نيته يصالح عرب بني سعد (40).
بينما لا يوجد نص لبني سعد هوازن في العراق, ويقال لهم عتيبة رغم ذكرهم في حوادث مختلفة، حتى أنّ مؤلفهم جاسم محسن ملا عبود وغيره يذكرون العنوان باسم (هوازن وبنو سعد)، فلماذا لا يضعون اسم عتيبة على العنوان؟! ولماذا لا يكتب أفراد قبيلتهم العتيبي بدل السعدي؟!! طالما أنهم أبناء عمومة لنا؟!! ولماذا عندما تسأل سعدياً في جنوب الطائف عن فخذه فيقول (نفيعي) أو (ثبيتي) أو روقي ... ، وعندما تقول له من أي قبيلة أنت؟ يجيب على الفور (عتيبي)، أليس لأنه نسبة إلى سعد بن حجاج بن أكوع بن عتيب [جدّ قبيلة عتيبة]، بينما السعدي في العراق ينتسب إلى سعد فقط؟! ولا ينتسب إلى عتيبة ولا إلى أي من بطون عتيبة المعروفة؛ لأنه ليس منها ولا علاقة بين القبيلتين البتة سوى أنهما من مضر من عدنان.
فإنّ الخلل والاضطراب أتى من مقارنتها بوثيقة العراق التي لا شأن لها فيها، فما هو الاساس الذي قورنت الوثيقتان عليه؟!! فبنو سعد العراق هي سعد هوازن لا شك، وسعد الطائف هي سعد كنانة؛ لذا فإنّ من حاول الربط بين هاتين القبيلتين سيلحظ الخلل والاضطراب لا في الوثيقتين فحسب بل في كثير من الجوانب؛ لأنّ القبيلتين مختلفتان ومتباينتان في النسب والمنازل، حتى وإن تشابه اسما سعد وحجاج.
أمّا تعليله أنّ عتيبة لو كانت بني عتيب لقيل قبيلة عتيب ولم يُقل عتيبة.
أقول: من المعروف أنّ أبناء عتيبة وغيرهم من البوادي يبدلون الياء ألفًا، ومن ذلك قولهم: (عتابه) بدل عتيبة، و (مطار) بدل مطير، و (سباع) بدل سبيع، و (شبابه) بدل شباب (41)، ومن هنا قالوا: عتابه بدل عتيب وأضافوا لها الهاء على صيغة الجمع المؤنث.
وقد ذكر الشاعر المشهور كثيِّر عزة المتوفى سنة 105هـ قصيدة طويلة يمدح فيها عمر بن عبدالعزيز ? الذي تولى الخلافة بين سنتي 99 - 101هـ، وهي كما قال محقق ديوانه إنّ القصيدة قد نظمت في تلك المدة، حيث ذكر فيها قبيلة تعرف باسم عتيب في بلاد السراة حيث يقول:
بِرَبِّ المطَايَا السَّابحَاتِ وَمَا بَنَتْ
ومُلْقَى الْوِلاَيَا مِنْ مِنىً حَيْثُ حلَّقَت قُرَيْشٌ، وَأَهْدَتْ غَافِقٌ وتُجِيبُ
إِيَادٌ وَحَلَّتْ غَامِدٌ وَعُتَيبُ (42)
ونلحظ أنه ذكر غامدًا، وهي من قبائل السراة، وعتيب هو على الأرجح المقصود به قبيلة عتيبة.
أمّا ما يذكره ابن دخين عن ناصر، وترجيحه له بنصر الوارد في الجمهرة وهو نصر بن سعد بن بكر أو ناصرة بن فُصيّة بن نصر بن سعد وقوله إنه يعني أحدهما؟!
أقول: وما الدليل على أنّ ابن دخين يعني أحدهما؟! وما الدليل على أنّ عتيبة من بني سعد هوازن بعدما تقدم من أقوال العلماء والمؤرخين ونصوصهم وأنها -سعد هوازن- التي رحلت من شرق مكة المكرمة إلى الشمال! ثم إنّ نصر بن سعد وناصرة بن فصية ليس في أجدادهما من يعرف بعتيب أو عتيبة؟! والنفعة الذين يرى ابن دخين أنهم من عقب ناصر لم تذكر وثيقتهم ناصرًا ولا نصرًا؟! وإنما ذكرت سعد بن حجاج ثم عتيباً ثم شباباً، وبلاد عتيبة القديمة هي عين بلاد شبابة كنانة! إذًا فما دخل نصر وناصرة في نسب عتيبة؟! وهل الشيخ ابن دخين يستند إلى مشجرة قديمة؟! وما تاريخها؟! وهل هي أقدم من وثيقة النفعة المؤرخة بسنة 1005هـ؟! وقد أطلعني أحد
¥