عمل زعماء المسلمين في غلرناطة حينئذ على إشعال ثورة شاملة تعيد للأندلس دولتها و للمسلمين عقيدتهم. فاجتمعوا سرا أواخر سنة 1567 م في حي البيازين, و توصلوا إلى شرطين أساسيين لإنجاح الثورة, و هما: أولا ضرورة مشاركة جميع مسلمي الدولة الإسبانية في الثورة, إن أمكن , أو جميع مسلمي مملكة غرناطة على الأقل, ثانيا ضرورة الحصول على العون المادي بالسلاح و الرجال و المال من المغرب و الجزائر. و كانت الجزائر انذاك تابعة للدولة العثمانية, و المغرب تحت حكم الدولة السعدية.
ما ينتظره الأندلسيون من العثمانيين
ارتكز أمل الثوار الأندلسيين على الدولة العثمانية, خاصة بعد حصارها لمالطة سنة 973ه {1565}. و كان سلطانها حينذاك سليم الثاني, بويع بعد وفاة والده السلطان سليمان القانوني يوم 20 صفر عام 974 ه {5 - 9 - 1566م}. و كان السلطان سليم في حرب مع الدول الكاثوليكية في البحر الأبيض المتوسط, و أصبح هدفه الأول تحرير قبرص من البندقيين لتأمبن طريق الحج البحرية. و كانت الحرب متواصلة بينه و بين القو ى الصليبية للسيطرة على البحر الأبيض المتوسط, نتجت عنها هزيمة العثمانيين في لبانتو بتاريخ 17 - 10 - 1571م. و كان الإسبان يحتلون مناطق واسعة من الشواطئ المغربية و الجزائرية و التونسية و الليبية بما في ذلك طرابلس و تونس و الجزائر. و أمام الخطر الذي كان يهدد أهل شمال أفريقيا بنفس المصير الذي أل إليه الأندلسيون, استغاثوا بالدولة العثمانية. فحرر العثمانيون الجزائر سنة 1519م و طرابلس سنة 1551م و تونس سنة 1568 م, و عملوا على تحرير الشواطئ الأخرى من الوجود الإسباني. و أصبحت الجزائر منذ ذلك الحين مركزا قويا للوجود الإسلامي بالبحر الأبيض المتوسط, و عاصمة لولاية عثمانية قوية. و أسند السلطان سليم الثاني في ذي الحجة عام 974ه {يونيو 1566 م} , منصب بيلربايالجزائر للرئيس محمد بن صالح محل الرئيس حسن بن خير الدين, و عين هذا الأخير قائدا عاما للأسطول العثماني. ثم خلف الرئيس محمد بن صالح في 14 صفر عام 976ه {18 - 8 - 1568م} , الرئيس العلج علي, و هو مسلم من مواليد كاستل بجنوب إيطاليا.
ـ[هشام زليم]ــــــــ[14 - 05 - 08, 03:23 ص]ـ
ما ينتظره الأندلسيون من المغرب
و كان المغرب يقاوم كذلك الإحتلالين الإسباني لشواطئه المتوسطية و البرتغالي لشواطئه الأطلسية. و كانت تتنازعه الدولتان الوطاسية و السعدية, فانتهى الصراع بينهما بتوحيد المغرب تحت الدولة السعدية في 24 شوال عام 961 ه {22 - 9 - م1554}. و كان أبو عبد الله الغالب, سلطان المغرب من سنة 964 ه إلى سنة 981 ه {1557 - 1574م} , متهما بالتواطئ مع الإسبان و تسليمهم مدينة بادس {بالمغرب} , و بالإنسحاب بدون سبب ظاهر من محاصرة البرتغاليين بالبريجة {الجديدة}. و على أي حال فقد كان المغرب مشغولا بتحرير أرضه و الدفاع عن وجوده مما أدى إلى انتصاره على البرتغال في معركة وادي الخازن سنة 986ه {1578م}.
سوء العلاقة بين المغرب و الدولة العثمانيية
و مما يؤسف له أن العلاقات المغربية العثمانية لم تكن طيبة, و كانت دائما تتسم بالمصلحة العليا للطرفين أمام الغزو الصليبي و مخاطره.
الإتصال بالجيران بالعدوة المغربية و الجزائرية
ثم اتصل منظمو الثورة بالسلطات العثمانيةفي الجزائر و السعدية في المغرب بسرية كاملة, و بالشخصيات الشعبية في البلدين لطلب العون و المساعدة. و قد وصلتنا بعض هذه الرسائل, نأتي بقتطفات من اثنين منها: الرسالة الأولى, و هي على شكل قصيدة, قال فيها كاتبها محمد بن محمد بن داود, أحد زعماء الثورة, بعد أن افتتحها بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله الكريم: "استمعوا إلى قصة الأندلس المحزنة, و هي تلك الأمة العظيمة التي غدت اليوم ضعيفة متهيضة, يحيط بها الكفرة من كل صوب, و أضحى أبناؤها كالأغنام الذين لا راعي لهم. و في كل يوم نسام سوء العذاب و لا حيلة لنا إلا المصانعة حتى ينقذنا الموت مما هو أشر و أدهى, و قد حكموا فينا اليهود الذين لا عهد لهم ولا ذمة, في كل يوم يبحثون عن ضلالات و أكاذيب و خدع و انتقامات جديدة. و نرغم على مزاولة الشعائر النصرانية و عبادة الصور, و هو مسخ للواحد القهار, و لا يجرؤ أحذ على التذمر أو الكلام. و إذا ما وقع قرع الناقوس ألقى القس عظته بصوت أجش, و فيها يشيد بالنبيذ و لحم
¥