و رحل الشهاب في أواخر حياته إلى الشرق و أدى فريضة الحج و لما عاد نزل بتونس و قرّبه أميرها يومئذ و هو الداي مراد. و هنالك توثقت أواصر الصداقة بينه و بين زميل مورسكي مهاجر يسمى باسمه الأندلسي الرئيس إبراهيم بن أحمد بن غانم بن محمد بن زكريا الأندلسي و هكذا نرى من حالة الشهاب و ابن غانم أن المورسكيين أو العرب المتنصرين لم ينزلوا عن أسمائهم الأندلسية العربية الصميمة, و أنهم كانوا يحتفظون بها سرا, حتى تتاح لهم فرصة الفرار من إسبانيا فيعودوا إلى الإسلام و يتسموا بها على الفور. و كان الرئيس ابن غانم هذا فيما يبدو من زعماء الجند, و قد ألف بالإسبانية (أو الأعجمية) كتاباغريبا في فن الجهاد بالمدافع: فقام الشهاب الحجري بترجمته إلى العربية و سماه"كتاب العز و الرفعة و المنافع للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع". و قد انتهى هذا الكتاب الفريد إلينا. و توجد منه عدة نسخ مخطوطة بالمغرب و القاهرة. و قد ذكر في صفحة عنوانه " أنه من تأليف الرئيس إبراهيم بن أحمد ابن غانم بن محمد بن زكريا. كتبه بالأعجمية و ترجمه له بالعربية ترجمان سلاطين كراكش أحمد بن قاسم بن أحمد الحجري الأندلسي". و هو كتاب ضخم يحتوي على خمسين بابا في وصف البارود و الألات الحربية القاذفة, حسبما كانت معروفة حتى أواخر القرن السادس عشر, و طريقة تركيب المدافع و اختلاف أصنافها ووصف أجزائها و أدواتها, و طرق تعميرها و الرمي بها إلى غير ذلك من التفاصيل الفنية و العسكرية. و يتخلل ذلك عدة رسوم توضيحية جيدة لمختلف أجزاء المدفع و مختلف نماذجه.
قوة اللغة العربية عند المورسكيين
و يبدو من الأسلوب الذي ترجم به الشهاب هذا الكتاب و الذي قدمنا منه نموذجا فيما نقلناه منه في بداية هذا البحث, أن العربية كانت ما تزال قوية عند المورسكيين المثقفين, و ذلك بالرغم من كل ما فعلته إسبانيا, و فعله ديوان التحقيق الإسباني , لقتل العربية و التراث الأندلسي العربي. و يشير الشهاب في كتابه المذكور إلى المقري مؤرخ الأندلس وإلى كتابه الجامع " نفح الطيب" في قوله" و قد صحّ من كتب التواريخ التي جنعها العلامة الشيخ أحمد المقري في كتابه بمصر في الكتاب الجامع للتواريخ على بلاد الأندلس أعادها الله إلى الإسلام".
وقد عاش الرجلان في نفس العصر. و الظاهر أن الشهاب الحجري قد لقى المقري بمصر خلال مروره بها في طريقه إلى الحج أو خلال العودة منه, وذلك في نحو سنة 1040ه (1631م) قبيل وفاة المقري بقليل.
رأي الشهاب في استرداد الأندلس
و قد أشرنا من قبل إلى الرحلة التي كتبها الشهاب الحجري بعنوان " رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب". و الأحباب همن فيما يرجح أنهم إخوانه المسلمون فيما وراء البحر أي في عدوة المغرب, التي لجأ إليها و قضى بها بقية حياته, و قلنا أن هذه الرحلة لم تصل إاينا و لم يصل إلينا منها سوى شذور يسيرة, نقلها إلينا بعض الكتاب المتأخرين, و منها قصة فراره من إسبانيا و هي التي نقلنا فيما تقدم عن كتاب "زهرة البستان". و مما يلفت النظر أيضا من أقوال الشهاب عن أحوال إسبانيا يومئذ ما نقله إلينا صاحب كتاب "نزهة الحادي", من الرحلة المذكورة و هو: " أن جزيرة الأندلس استردادها ....... سهل, و استرجاعها ..... قريب. و لما دخلت في أيام المنصور مراكش وجدت عنده من الخيل نحو ستة و عشرين ألفا, فلو تحركت هذه لفتحها و استولت عليها في الحين".
هذه هي قصة الشهاب الحجري الأندلسي, و هي نموذج لهذه الطائفة الغربية من كتاب الأندلس المغلوبة التي أرغمت على نبذ دينها و لغتها, و كل تراثها القديم, و مع ذلك فقد استطاعت بالرغم من قرن كامل من الإضطهاد المطبق و القمع الذريع, أن تحتفظ بقبس أخير من لغة الأباء و الأجداد, و أن تكوّن لها أدبا خاصا هو الأدب المورسكي.
انتهى.
بقلم محمد عبد الله عنان
مجلة العربي-العدد 131 أكتوبر 1969.
ـ[أبو عبد البر المالكي]ــــــــ[17 - 05 - 08, 09:10 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي أبا تاشفين ..........
ـ[محمد أبو عمر]ــــــــ[18 - 05 - 08, 12:06 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[هشام زليم]ــــــــ[20 - 05 - 08, 06:24 م]ـ
http://www.personal.us.es/alporu/Images/sevillahist/texto_aljamiado.jpg
جزء من ترجمة القرآن العظيم بالألخميادو ـاللغة القشتالية بحروف عربيةـ
هكذا بقي الأندلسيون متشبتين بالعربية رغم اضطهاد النصارى لهم و لعقيدتهم و لثقافتهم.
ـ[مكتب زهير الشاويش]ــــــــ[20 - 05 - 08, 06:32 م]ـ
ومن الكتب الهامة في هذا الموضوع كتاب (تاريخ مسلمي الاندلس الموريسكيون) وقد ترجم للعربية ونشره المكتب الاسلامي.