عند المسلمين
و لما رأونا جاؤا إلينا فقلنا لهم نحن مسلمون. ففرحوا بنا و أعطونا الماء و الخبز. و كان عهدنا به منذ ثلاثة أيام, و مشينا معهم لأزمور فأدخلونا على القايد محمد بن إبراهيم الشعياني ففرح بنا و أكرمنا. و قال لنا أين كنتم هذه ثلاثة أيام, فقد بعثنا في طلبكما, و لم نر منكم خبرا, و تكلم معنا في أمور الديانات فأجبته عنها. و كتب للسلكان مولاي أحمد الذهبي رحمه الله بذلك, و أخبره بحالنا, فأجابه السلطان أن يستصحبنا معه في حضور العيد مع السلطان.
و كان عيد الأضحى من سنة 1007 ه قرب , فخرجنا مع القايد محمد, متوجها إلى مراكش, لحضور العيد مع السلطان مولاي أحمد رحمه الله, فنزلنا من موضع فيه سوق بدكالة, فقال القايد محمد لبعض أصحابه أركب معهما إلى أن يراهما أهل السوق, فكان السوقة يتركون بيعهم و شراءعم و يأتون إلينا, يتعجبون منا, و يسألون عن حالنا, يحسبوننا نصارى فيقولون لنا اشهدوا شهادة الحق, فسكتنا عنهم حتى أكثروا علينا, فقلت أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله, قالوا و الله إنه قالها خيرا منا, فمشوا عنا مسرعين, ثم رجعوا إلينا بالتمر و الخبز و الدراهم. فقلنا لهم لا نأخذ لكم شيئا, فلما رجعنا إلى القايد محمد بن إبراهيم قال لنا ما ظهر لكما في سوق المسلمين قلت خيرا و الحمد لله.
" ثم وصلنا إلى محلة السلطان مولاي أحمد الذهبي, و هي مخيمة بتانسيفت بسبب وباء كان بالمدينة, وكان استصحبنا في طريقنا إلى مراكش مع القايد محمد بن إبراهيم أكثر من ألف فارس من سفيان بثياب بالية رثة خلقة. و لما قربنا من محلة السلطان أمر القايد المذكور بإعطاء كل فارس قنباز و ملف و عمامة, و ذلك كله بالزمام, فخرجوا يوم العيد كأنهم شقائق النعمان, و كل قايد من قواد مولاي أحمد أعطى لأصحابه يوم العيد مثل ما أعطى القايد محمد بن إبراهيم لأصحابه فتبدلت علينا أحوالهم. و ظهر لنا منهم ما لم نكن نعرفه قبل. و عندما تكتّبت كتايب المسلمين يوم العيد, و تجندت الأجناد, جاء من عند السلطان مولاي أحمد الذهبي رحمه الله كاتب يحسب على كل قايد و أصحابه. يعملهم في ديوان و يعرضهم على السلطان. فسألت الكاتب عن نهاية ما بلغ في العدد, فقال لي تسع و عشرون ألفا, فقلت لو أن السلطان ذهب بمن معه من الجيش لاستنفذ بلاد الأندلس من يد النصارى".
السلطان أحمد المنصور الذهبي
كان ملك المغرب يومئذ هو حسبما تقدم السلطان أحمد المنصور. و كان قد و لي الملك في جمادى الأولى سنة 986م (أغسطس سنة 1578م) عقب موقعة القصر الشهيرة, و هي التي لقي فيها البرتغاليون على يد المغاربة هزيمتهم الساحقة و قتل ملكهم سبستيان و كان أخوه السلطان عبد الملك قد توفي قبيل المعركة بقليل, فبويع مكانه السلطانأحمد , و لقب بالمنصور تيمنا بالنصر العظيم الذي أحرزته جيوش المغرب المجاهدة, على جسوش الإستعماريين المعتدية
و كان المنصور ملكا عظيما وافر الهمة و العزم, و كان عصره من أعظم عصور المغرب عزة و قوة و رخاء. و كان حينما وفد عليه الشهاب الحجري قد قطع في الملك أكثر من عشرين عاما. فلما قدّم إليه قائده محمد بن إبراهيم الشعياني و كان أثيرا لديه و موضع ثقته و تقديره لما أبداه في حكم منطقة أزمور من حزم و بر اعة أشاعت فيها النظام و الأمن, لمّا قدم إليه هذا الأندلسي الفار, ووقف على قصته و ما يتمتع به من كفايات أدبية و لغوية, أولاه عطفه, و أمر بتعيينه مترجما للبلاط و كان هذا أقصى ما يطمع إليه الشهاب. و أبدى الشهاب براعة في أ‘مال الترجمة من العربية إلى الإسبانية و من الإسبانية إلى العربية, و أسبغ عليه لقب "ترجمان سلاطين مراكش". و كان السلطان فوق ذلك يستعمله للسفارة عنه في بعض البلاد الأوروبية. و لما توفي السلطان أحمد المنصور في سنة 1012ه (1603م) استمر الشهاب في عمله بالبلاط المغربي خلال الحرب الأهلية التي تلت وفاة المنصور ثم مدة أخرى في ظل ولده السلطان مولاي زيدان.
الشهاب في تونس
¥