تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي أواخر آب سنة 1967م سافر إلى القاهرة حيث يقيم أبناؤه: الدكتور غيث وأخواته الثَّلاث، وأُدخل مستشفى المعادي، نُقل بعدها إلى مستشفى الشُّوربجي حيث توفي يوم الخميس الثَّالث من ذي الحجَّة سنة 1396هـ- الخامس والعشرين من تشرين الثَّاني سنة 1976م، وصُلِّي عليه يوم الجمعة في مسجد عمر مكرم، ودُفن بالقاهرة.

وبذلك طُويت صفحة أبي غيث العَلَم الذي خلَّد الأعلام، أدخله الله في واسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته.

حليته وشمائله:

كان رحمه الله أسمرَ، طُوالاً بين الرِّجال، أميل إلى النَّحافة، حلو القسمات.

أما شمائله، فقد كان دمث الأخلاق، خفيف الرُّوح، حلو الحديث، بارع النُّكتة، سريع البديهة، عصبيَّ المزاج، يتبسَّط مع أصدقاءه ويتفقَّدهم، فيه لطافةٌ وشفافيةٌ مع رحابة صدر، مالم تُمسَّ كرامته.

مكانته:

عرفت المجامع العربية للزِّركلي مكانتَه، فقد ضمَّه إلى أعضائه كلٌّ من: المجمع العربي بدمشق سنة 1930م، ومجمع اللُّغة العربية بالقاهرة سنة 1946م، والمجمع العلمي العراقي سنة 1960م، وكان يُحتفى به في كل بلدٍ عربيٍّ ينزله.

رحلاته:

قام الزِّركلي برحلاتٍ إلى إنكلترة، والولايات المتحدة الأمريكية، وتركية، وإيطالية، واليونان، وسويسرة، وتونس، فتيسَّر له في أغلب هذه الرِّحلات الطَّواف على أهمِّ خزائن الكتب فيها، وقد أتاحت له صفته الدبلوماسية في بعض تلك الرّحلات زاداً وافراً من المخطوطات والمطبوعات النَّادرة، جمعها في خزانة كتبه.

ولم يكن بُعْدُ الشُّقَّة قط مانعاً له من السَّفر للحصول على كتابٍ أو مخطوطة، يحدِّث هو بأنَّه كان مرَّة في إسطنبول يفتَّش عن كتابٍ خاصٍّ، فأُخبر بأنَّه موجودٌ في بلدة (مغنيسة) فركب السَّيارة إليها، وأمضى في الطَّريق إحدى عشرة ساعة، ولما وصلَها وزار مكتبتَها وجدها من أغنى المكتبات، لكنَّها بغير فهارس، وكانت تملأ اثني عشر درجاً، فراح يستعرض الدُّرج الأول خلال صيفٍ كامل، وعاد في الصَّيف التَّالي لاستعراض مخطوطات الدُّرج الثَّاني، وظلَّ يُعاود الزِّيارة إلى أن اطَّلع عليها جميعاً.

الزِّركلي شاعراً وناثراً:

الزِّركلي شاعرٌ أصيلٌ، التزم قواعد الشِّعر العربي، وصاغ موشحاتٍ على منوال الأندلسيين، وجمع إلى جزالة اللَّفظ ومتانة الأسلوب، سهولةَ الوزن وبراعةَ الوضع، فجاء شعرُه غايةً في الجودة والإبداع.

أما نتاجه النَّثري، فهو وجهٌ آخر لعملة إنتاجه الأدبي، فلا تكاد تفصل بين نثره وشعره، إن أتيته من ناحية القيمة الأدبية وجودة الصِّياغة.

وللزِّركلي بيانٌ آسرٌ خلاَّب،يتمثَّل ذلك في كتبه كلِّها، وحسب ما قيل في كتابه الأعلام؛ من أنَّ أسطراً معدوداتٍ يكتبها عن صاحبه الذي يترجم له، تأتي مُلِمَّةً بحياته، محيطةً بها، جامعةً لأحداثها، مضيئةً لجوانبها، من خلال فكرٍ نيِّر ناضر، وأسلوبٍ قويٍّ سمح، وعرضٍ منطقيٍّ متماسك، وعبارةٍ هي إلى روح الشِّعر أقرب.

والزِّركلي شاعر الوطن، ما عرفت الشَّام شاعراً أبرَّ بوطنه منه، وشعره البلسم الشَّافي لآلام الصَّابرين وجراحات المجاهدين، فما ناب سوريةَ خطبٌ ولا ألمَّت بأهلها ملمَّةٌ، إلا مسح بشِعره مواجعَ المنكوبين ومدامعَ المعذَّبين.

يقول في قصيدته (الفاجعة) التي نظمها على إثر وقعة ميسلون:

لهفي على وطنٍ يجوس خلالَه شُذَّاذُ آفاق شراذم سودُ

أبرابر السّنغال تسلبُ أمَّتي وطني ولا يتصدَّع الجلمودُ

شرُّ البليَّة والبلايا جمةٌ أن تستبيح حمى الكرام عبيدُ

وهو لم يقصر عمله وشعره على الجهاد في سبيل حرِّية بلاده سورية وحدها، وإنما امتدَّت آفاق جهاده فوق كل أرضٍ للعرب حلَّ فيها، فهو في أيِّ بلدٍ استوثق من روح الوطنية في رجالها مال إليه. يقول فيه الشاعر الكبير أنور العطار: "شاعرٌ مُجيدٌ معاصرٌ، من أكبر شعراء القومية العربية، ومن أرقِّهم عاطفة، وأصفاهم أسلوباً".

يقول الزِّركلي في قصيدة يخاطب فيها أمَّة العرب:

سيروا إلى مجدكم رُوحاً وأبدانا

واسعوا إلى عزِّكم شِيباً وشُبانا

تُشيِّدوا ذكركم، تبنوا لكم شانا شأناً تلوح به كواكب السَّعدِ

عطفاً على ذكر بغداد ومن حلُّوا

ربوعها واذكروا الشَّام وما يتلو

وعهد أندلسٍ فالذِّكر قد يحلو وكفكفوا مدمعاً يجري على الخدِّ

قفوا على تونس واستمطروا الدَّمعا

وسائلوا عن بني مراكش الرَّبعا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير