وقصة اتهام مروان بقتل طلحة يلزم منها أمورً خطيرة، منها أن مروان بن الحكم مجرم وقاتل عمدا من غير تأويل، فهو ساقط العدالة، فلا يجوز أن تقبل له رواية. ومع هذا فقد روى له علماء الحديث جميع مروياته، واحتج به جميع فقهاء الأمصار. فكيف يحتجون بقاتل أحد العشرة المبشرين بالجنة؟ وكذلك فيه تهمة لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه حيث جعله أمين سره وكاتبه وهو لا يستحق ذلك! وفيه تهمة لطلحة رضي الله عنه أنه كان ممن أعان على عثمان رضي الله عنه أو ألب عليه! وفيه تهمة خطيرة لمعاوية رضي الله عنه، إذ كيف يولي قاتلا فاسقا على خير بلاد المسلمين وهي المدينة المنورة! والقصة على نكارتها ليس فيها ولا حديث متصل واحد، إلا الذي ذكره ابن شبة عن رجل مجهول لا أحد يعرف اسمه أصلاً. كما أن قصة رمي مروان لطلحة (رضي الله عنهما) يوم الجمل، مستنكرة عند ذوي العقول. فوجود طلحة في الجيش كان محرضاً للناس على الالتحاق به، ومشكك للطرف الآخر في شرعية القتال، فكيف يقتل مروان (وهو صاحب عقل وفهم) صحابيا جليلا في صفه من خيرة قادة المسلمين؟ لو كان طلحة في صف قتلة عثمان، لكان في قتله مبرر، لكن أن يكون واقفاً مع مروان في نفس الجيش مطالباً بالقصاص من قتلة عثمان، فقصة قتله مستبعدة. وما أحسن ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية: «ويقال إن الذي رماه بهذا السهم مروان بن الحكم، وقال لأبان بن عثمان: "قد كفيتك رجالا من قتلة عثمان". وقد قيل إن الذي رماه غيره، وهذا عندي أقرب، وإن كان الأول مشهوراً، والله أعلم». وهكذا المؤرخون الأذكياء لا يأخذون الأخبار إلا بعد تنقيتها وتنقيحها، بخلاف الإخباريين الحشوية الذين ينقلون الأخبار دون فهم ولا تحقيق.
وقد يبقى السؤال، فمن قتل طلحة إذاً؟ والجواب أنه قاتله مجهول العين، لكنه معروف أنه من جيش علي. ولا يُعرف من أطلق ذلك السهم، لكن جهة إطلاقه معلومة. قال محمد بن سعد في الطبقات (3
225): أخبرنا الفضل بن دكين (ثقة ثبت) نا أبان بن عبد الله البجلي (جيد) حدثني نعيم بن أبي هند (ثقة) حدثني ربعي بن خراش (ثقة) قال: إني لعند علي جالس إذ جاء ابن طلحة فسلم على علي فرحب به علي فقال: «ترحب بي يا أمير المؤمنين وقد قتلت والدي وأخذت مالي». قال: «أما مالك فهو معزول في بيت المال فاغد إلى مالك فخذه. وأما قولك قتلت أبي فإني أرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله عز وجل {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين}». فقال رجل من همدان أعور: «الله أعدل من ذلك». فصاح علي صيحة تداعى لها القصر قال: «فمن ذاك إذا لم نكن نحن أولئك؟». وهذا إسناده جيد، وهو أقوى حديث وأصرحه أن الذي قتل طلحة هو جماعة علي. وعلي رضي الله عنه لم ينكر ذلك. وهذا يُكذّب الخبر الشائع والمشهور عند المؤرخين أن قاتله هو مروان بن الحكم. وهو نصٌّ في محل النزاع. وكل ما سواه باطل لا يُعَوَّلُ عليه كما بَيَّنا سابقاً بعون الله تعالى.
ملاحظة: استفدت من موضوع سابق هنا للشيخ أبي حمزة الشامي لكن خروج الطرفين عن الأدب دفعني لعدم المشاركة هناك.
ـ[صقر بن حسن]ــــــــ[19 - 06 - 08, 10:33 م]ـ
جزاك الله خيرا وبارك فيك.
جهد مشكور.
لكن مروان بن الحكم رحمه الله الراجح والله أعلم أنه مخضرم، وليس صحابياً.
ولذلك جعله الحافظ ابن حجر في القسم الثاني من الإصابة، ممن لهم رؤية.
قال ابن حجر: " ولد بعد الهجرة بسنتين، وقيل: أربع، وقال ابن شاهين: مات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو ابن ثمان سنين ". فيكون مولده بعد الهجرة بسنتين ... لكن لم أر من جزم بصحبته، فكأنه حينئذ لم يكن مميزاً، ومن بعد الفتح أخرج أبوه إلى الطائف وهو معه، فلم يثبت له أزيد من الرؤية ... وأنكر بعضهم أن يكون له رؤية منهم البخاري ... ".
الإصابة لابن حجر باختصار 6/ 203
وروايته التي في صحيح البخاري عدها ابن حجر مرسلة، ولو كان صحابيا لكانت متصلة.
والله أعلم.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[19 - 06 - 08, 10:55 م]ـ
رأى مروان رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح سنة 8 هـ وعمره 6 سنوات، وهذا يعني أنه مميز فأصغر سن هو خمس سنين. ومن العجب أن البعض ينكر صحبة مروان و يجزم بصحبة محمد بن أبي بكر، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو رضيع لم يُفطم!
¥