ـ[أبو الطيب أحمد بن طراد]ــــــــ[26 - 06 - 10, 07:18 ص]ـ
معركة فارس الشدياق
الصحفية مع إبراهيم اليازجي
(1)
فارس الشدياق يرثي الشيخ ناصيف اليازجي
الجوائب العدد 519 (10/ 5/ 1871)، ص3
شبلي: الشدياق و اليازجي، ص 62 - 66
قد كان بيني وبين الشيخ ناصيف اليازجي مودة قديمة كما أشار إليه سليم أفندي دياب في صفحة 192 من الجزء السادس من الجنان لأنّا كنا جيراناً في ساحل بيروت، فكان مقرّه في كفرشيما ومقرّي في حارة الحدث. ولما كنت في مالطا جرت بيننا مراسلات أدبية فأرسل إليَّ قصيدة من الجناس العاطل مطلعها:
لأهل الدهر آمالٌ طوالُ وأطماعٌ ولو طال المطالُ
وهي مطبوعة في أول جزءٍ من ديوانه صفحة 22 وأجابني أيضاً عن قصيدة بأبيات مطلعها:
هوىّ في القلب يعذب وهو داءٌ كذا الدنيا وما فيها رياءُ
وهي في صفحة 25 وفيها يقول:
تقطعت الزيارة منك عنا إلى أن كاد ينقطع الرجاءُ
ولم يكُ بيننا نارٌ ولكن تعرَّض بيننا كالنار ماءُ
وهو كلامٌ في غاية الرقّة. ثمّ أرسل إليّ قصيدةً أخرى عنوانها: وقال يعزّي صديقاً له قد توفوا كتب بها إليه في بلاد المغرب:
لا تبك ميتاً ولا تفرح بمولود فالميت للدود و المولود للدودِ
وهي في صفحة 29. ولا أدري ما منعه من التصريح باسمي مع صفاء الحبّ بيننا. ثم بعد أن استقرّ بي المقام بالآستانة العلية أرسل إليَّ كتاباً ذكر فيه أنه بلغه أن أحد سكان الآستانة يريد أن يطبع مقاماته ولا يكون ذلك على وفق رضاهُ فإن في نيته زيادة شيءٍ عليها وتغيير شيءٍ منها، فأجبته بأني استقصيت عن هذه القضية فلم أقف لها على أثر فإذا علمت شيئاً بعد ذلك أنهيته إليه وأطلعته. وكان أول ما خطر ببالي من التغيير الذي نراه لفظة ((الفطحل)) المذكورة في المقامة الإنطاكية صفحة 257 بقوله: ((ويصبح غاضباً ولا يزال عاتباً يذكّرني في زمن الفِحَطْل وينجز الوعد بالمطل)) ثم قال في تفسيرها: ((هو زمن قبل أن يخلق الناس ويمكن أن يكون المراد به زمن الطوفان لأن الفحطل هو المطر الشديد. والمراد أنه لا يزال يذكّرها بأمور قديمة، وهو مثّل لما تقادم عهده)) اهـ.
وهو وهمٌ فإن حق اللفظة تقديم ((الطاء)) على ((الحاء)) قال في القاموس: الفِطَحْل كهزبر: دهر لم يخلق فيه الناس بعد. أو زمن نوح عليه السلام. أو زمن كانت الحجارة فيه رطاباً. و السيل و التارّ العظيم و الضخم من الإبل. وقال الصحاح: الفطحل على وزان الهزبر. زمن لم يخلق الناس فيه بعد. قال الجرميّ: سألت عبيدة عنه فقال: الأعراب تقول إنه زمنٌ كانت الحجارة فيه رطبةً وأنشد للعجاج:
وقد أتانا زمن الفطحلِ والصخر مبتلٌ كطين الوحلِ
وفطحل بفتح الفاء اسم رجل. وفي بعض نسخ الصحاح:
إنك لو عمّرت عمرَ الحَسَلِ أو عمرَ نوح زمن الفطحلِ
و الصخر مبتلٌ كطين الوحل كنت رهين هرمٍ أو قتل
وأهل بيروت يقولون للرجل المحنّك: فحطل على وزن جعفر وهي أيضاً محرفة. ولا شك في أن قول الشيخ ناصيف في المتن و الشرح فحطل بتقديم ((الحاء)) على ((الطاء)) هو من غلط الوهم الذي يغتفر للشاعر. وهو كقوله في صفحة 81:
تكثر الخيل في المرابض إن عدت ولكن تقلّ عند السباقِ
ونحو هذا قول المتنبي:
وما الخيل إلاّ كالصديق قليلةٌ وإن كثرت في عين من لا يجرّب
وإنما المرفوض من الغلط غلط الجهل كقول القائل: يوصف ويوعد في يصف ويعد. فأمّا الغلط الذي يكون من سبق الوهم فلا يخلو من أحد. فإن الشيخ ناصيف لم يكن يجهل أن المرابض للغَنَم و المرابط للخيل وإنما سبق وهمه إلى إبدال (الطاء) بـ (الضاد).ومن العادة إن الشاعر إذا سبق وهمه إلى تحريف لفظةٍ استمرّ عليها ولو كتبها بخطه عدة مرار. وفي الجملة فإن الشيخ كان مطبوعاً في الشعر ولم يكن في كلامه تكلف ولا تعسف ولا تصلف وكان ينحو به منحى المتنبي في ضرب الأمثال وله فيه بدائه وبدائع.
وذكر محّرر ترجمته، أعني سليم أفندي الموما إليه، في الصحيفة التي تقدم ذكرها: إنه في أواخر أيامه أخذ في نظم قصيدةٍ ليرسلها إليّ وفي أثناء نظمها دهمهُ المصاب العظيم بولده الشيخ حبيب فلم يتمّها. قال وإذ وجدتها من القصائد النفيسة أحببتُ ذكر ما وقفت عليه منها وهو هذا:
يا سفح نعمان لولا خزر نعمانِ لما سقاك زلالاً دمع أجفاني
ولا شجاني حمامٌ ناح فيك على فراق إلفٍ وجيرانٍ فأبكاني
¥