تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما بين يومٍ وليلٍ دهر تنكيد فما البقاء وإنْ نحرص بمحمود ِ

وقد وجدتُ نسخة من الجزء الأول من كتابه الذي يدعوه سر الليال بعث بها إليه وعلى ظاهرها بخط قلمه:

إلى جناب العلامة الفاضل الشيخ ناصيف اليازجي مع سلام ٍ من كاتبه أحمد فارس – في غرَّة ربيع الثاني سنة 85 [12هـ 22/ 7/1868 م].

وقبل وفاته، عفا الله عنه، كان قد أخذ في نظم قصيدةٍ ليبعثها إليه فلم تسمح له الظروف بإتمامها. ثم لم تمض أيامٌ حتى توفاه الله عزّ وجلّ إلى رحمته فطُبعَت في ترجمته مع بعض ما نظمه في مدة مرضه. وهي التي ساقت ما ساقت مما تكرّم به صاحبنا مقابلةً لها إذا صرفنا النظر عما يوجبه عهد المودّة، بيّض الله وجهه. وقد أشار في أثناء كلامه غير ما ذكرتُ، إلى قصيدتين يقول إن أبي أجابه بإحداهما عن قصيدةٍ له وبعث إليه بالأخرى. وبين ذلك مَدح وأثنى وذكَرَهُ بالجميل. ثم استدرك بذكر موجدةٍ قديمة وعتبٍ لعدم تصريحه باسمه في عنوان القصيدة التي عزّاه بها حين طبعها في ديوانه. قال ((ولا أدري ما منعه من التصريح باسمي مع صفاء الحب بيننا)).

أقول: والعجب من هذا فإنه مع ما عنده من صفاء الحب قد أضمر له ما أضمر إلى ما بعد وفاته. ولعل في ذلك سراً يدركه أولو الألباب. ولا أدري ما ضرّه عدم التصريح باسمه وليس في القصيدة مدحٌ له وإنما هي حِكَمٌ وأمثالٌ يعزّيه بها. ومن الغريب أن أمراً كهذا قد أثقل منكبي الإمام وألق وقاره حتى نشره في جريدةٍ سيّارةٍ وألقى به نفير العتاب في الأقطار وأعمل الأفكار في البحث عن سبب ذلك، وربما خَطَر لها ما لا يرضيه، أصلحه الله وإيانا.

ثم استطرد إلى ذكر كتابٍ قال إن أبي بعثه إليه في الآستانة يقول فيه: إنه بلغه أن أحد ٍسكانها يريد طبع مقاماته وأن ذلك لا يكون على وفق رضاه، فإن في نيّته زيادة شيءٍ عليها وتغيير شيء منها.

ثمّ قال ((وكان أول ما خطر ببالي من التغيير الذي نواه لفظة الفِحَطْل المذكورة في المقامة الأنطاكية)) إلى آخره.

والظاهر أن هذا هو الذي دعاه إلى ذكر الكتاب فجعله تمهيداً لِما نواهُ، سامحه الله. وأعجب كيف لم يدرج هذا في جوابه له حينئذٍ وقد كان المقام أليقَ به من كل الوجود. وشهد الله أني منذ اليوم لم أكن أتوقّع مثل ذلك من هذا الصديق القديم، إذ لم يقع بيننا ما يبعث عليه كما تقرّر من كلامه. ولا كان عندي أنه ممن يحاول النضال عند مَظَنّةِ الانفراد وقد كان ما في نفسه ممكناً على وجهٍ أليق وأجمل به. وهذا حَسْبُ اللبيب.

أمّا وجهُ الانتقاد على اللفظة المذكورة فهو أن ((الحاء)) منها مقدَّمة على ((الطاء)) في الواقع، و الحق العكس وأن يقال الفِطَحْل بتقديم ((الطاء)). وقد أورد على ذلك شواهد وأدلّةً من كتب اللغة شهدنا له فيها بالفضل و البراعة.ومن جملة ما أورد من ذلك قال: ((وفطحل بفتح ((الفاء)) اسم رجل)).

أقول: وقرائن كلامه تقتضي بقاءَ ما سوى ((الفاء)) على حاله فيكون مفتوح ((الطاء)) أيضاً مع سكون ((الحاء)). ولا وجود لهذه اللفظة على هذا الوجه أصلاً. قال في القاموس ((الفِطَحْل كهِزَبْر، دهرٌ لم يخلق فيه الناس بعدُ أو زمن نوح عليه السلام، أو زمن كانت الحجارة فيه رطابا و السيل و التارّ: العظيم و الضخم من الإبِل. وكجَعْفَر وقُنْفُذ، اسم)) اهـ.

ففي قول صاحبنا وهمٌ ظاهر، أو حمل الكلمة على وزن جَعْفَر وفيه سهوٌ. وكان الأولى أن يقيّده بفتح الحاء أيضاً، أو يقتصر على أن يقول بالفتح كما جرى اصطلاح اللُغَويّين ويترك ذكر الفاء التي إنما هي زيادةٌ في اللفظ تؤدي إلى نقص ٍ في المعنى.ويذكر الوجه الثاني أيضاً وهو الضمّ.

قلتُ:ومثل هذه الزيادة قوله في كتابه سر الليال في صفحة 3، في كلامه عن لغات الأعاجم، قال (فما مثَلهن إلا مَثَل الثوب المرقع و الوجه القبيح المبرقع)) فإنه قَصَد المبالغة في قبحه فالتوى عليه المعنى وجاء عكس المقصود.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير