والكتاب لا يقصد مؤلفه أن يكون سجلا لتلكم المعارك والمساجلات يحصر ما كَتَبَ المشاركون فيها من كلا الجبهتين يجمعه بين دفتيه، بل ينتقي رَدًّا أو ردودا يراها مقنعة شافية في رد الشبهات وكشف زيف التضليل والخداع، وقد لا يسوق الرد بطوله بل يجتزئ منه على المراد، والمؤلف يقتصر على ذلك دون تدخل أو تعليق منه، وهو يقتصر على إثبات نص الرد ولا يثبت نص الشبهة بل يشير إليها بعبارة وجيزة، وكأنه قصد بذلك أن لا يُسِْهِمَ في انتشار الشبهة، أو خوفا على القارئ أن يقرأها ثم لا يقرأ الرد فيُضِرُّ به.
والحَقُّ أن الأستاذ أنور الجندي حين وضع كتابه "المساجلات والمعارك الأدبية" كان يقصد بكتابه رصد ذلك في إطار دراسة شاملة قام بها للأدب العربي المعاصر شكلت موسوعته "موسوعة معالم الأدب العربي المعاصر" والتي تجاوزت عشرين جزءًا تناولت (النثر، الشعر، القصة، أدب المرأة، الترجمة، الصحافة، اللغة، المعارك الأدبية، الفكر، أدب المقاومة والتجمع)، لذا فقد قال في مقدمة الكتاب:
"هذه محاولة لدراسة الأدب العربي المعاصر من خلال معاركه ومساجلاته وقضاياه في هذه الفترة الخصبة الحافلة، وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وما اتصل بها في مجالات اللغة العربية والتاريخ سس والأمة العربية والتراجم والقصة والفكر والحضارة" (11)
إلا أن الرجل بعد إتمامه لموسوعة الأدب العربي المعاصر أحس أنه لم يكن يقصد إلى هذا العمل بالذات وإنما العمل الحقيقي الذي كان يختفي خلفه والذي برز بعد هو مواجهة الشبهات والتحديات التي طرحها التغريب والاستشراق والتبشير والغزو الثقافي في أفق الفكر الإسلامي" (12)، وهو ما تفصح عنه صفحات هذا الكتاب.
والحق أن كتاب "المساجلات والمعارك الأدبية" ينتقل بنا إلى بداية القرن الميلادي الماضي حيث الاحتلال الإنجليزي، وحيث كانت المعارك محتدمة للهجوم على معاقل الإسلام (القرآن – الرسول والسيرة النبوية – اللغة العربية – التاريخ الإسلامي – أعلام الإسلام)، محاولين تحطيم هذه المعاقل أو توهين قوتها، وهو ينقل إلينا – أو ينتقل بنا – إلى ساحة المعركة حيث نراقب مغالطات وخداع وشبه وأكاذيب مازال أكثرها يردد على مسامعنا إلى اليوم، حيث يكتشف القارئ أن خطة الأمس مازالت تستخدم اليوم.
والقارئ يرى هنا بداية قصة ما انتهينا إليه من تشرذم وهوان وجهل وضعف، حيث سيجد سبب ذلك في هذا الكتاب.
والكتاب هو واحد من درر الأستاذ أنور الجندي حيث وقف يفصح عن الحقيقة التي جرفها طوفان الإعلام والدعاية التغريبية، والرجل في هذا الكتاب لا يسجل رأيه وإنما ينقل أقوال وردود، واجهت الزيف.
وللكتاب – فيما نعلم – طبعة وحيدة – صدرت عن دار المعرفة، بالقاهرة (13)، قبل سنة 1962م (14)، في 438 صفحة، من القطع الكبير.
** الحواشي:
(1) هو أحمد أنور بن سَيِّد الجُنْدِيّ، المعروف بأَنْوَر الجُنْدِيّ (1334 أو 1335 هـ / 1916 أو 1917م – 1422هـ / 2002م): مفكر إسلامي، مؤرخ، أديب، وهو الأدب الروحي للصحوة الإسلامي المعاصرة فكريًّا والمُنَظِّر الأول لها، والمجدد للفكر الإسلامي وباعثه في أصالته على رأس القرن الخامس عشر.
غزير الإنتاج (من مؤلفات وبحوث ومقالات)، عميق الفكرة، خَصَّصَ بحوثه ودراساته حول تصحيح المفاهيم وتحرير القِيَم في سبيل بناء المجتمع الإسلامي على منهج القرآن الكريم.
واجه بقلمه تيارات الغزو الفكري المحيط بالعالم الإسلامي وجعل هَمَّهُ الوصول إلى (الأصالة الفكرية الإسلامية).
تدرج فكريا في بحوثه ومؤلفاته حتى بلغ غايته بتحقيق صورة متكاملة للأصالة الفكرية والمنهج الفكري الإسلامي المتكامل، وقد جمع خلاصة بحوثه في موسوعته الهامة "مُقَدِّمَات العلوم والمَنَاهِج" (6307 صفحة من القطع الكبير، في 10 أجزاء كبار). أما كتاباته المبكرة فقد عَبَّرَ في بعضها عن اهتمامات أدبية أو قومية (بالمعنى الواسع) أو ما قبل النضج الفكري وهو ما لا يُعَبِّر عن إسلاميته الفكرية (مثل كتاب: الأعلام الألْف).
وقد سجَّل طرفا من سيرته في كتابه: "شهادة العصر والتاريخ".
ولأبي الفداء سامي التوني: "أنور الجندي حياة مضيئة وثمرة فِكْر"، "أنور الجندي: مجَاهِد الكَلِمَة ودَاعِيَة الأصَالة الفكرية" (لم يتم).
(2) أنور الجندي: المساجلات والمعارك الأدبية ص 11 _ بتصرف.
(3) السابق ص 11: 12 _ بتصرف.
(4) المعارك الأدبية في مصر منذ 1914 – 1939 م (تصـ) / أنور الجندي. ط. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1983 م، 728 صفحة، قطع متوسط.
(5) من الصعب تحديد مجال بحث الكتاب بدقة، وذلك لأن أكثر المعارك التي ذكرها لم يؤرخ لها بتاريخ محدد، وبيان ذلك أن الأستاذ ذكر في الكتاب 57 معركة، ذكر منها تواريخ 17 معركة فحسب، وهذه المعارك منحصرة بين عامي (1910م – 1956م). والظن أن بقية المعارك في هذا النطاق تقريبا. والله أعلم.
(6) ص 17: 88
(7) ص 89: 175
(8) ص 120
(9) بعضها شخصيات اعتبارية مثل مجمع اللغة العربية,
(10) بعضها مبهم الاسم، وبعضهما ممن كان مردودا عليه في مساجلات أخرى مثل زكي مبارك.
(11) ص 9
(12) شهادة العصر والتاريخ ص 25
(13) 15 ش صبري أبو علم)، القاهرة
(14) النسخة غير مؤرخة!