وبهذا قد كان من أحب الخلق إلى الشيخ طلبة العلم، هؤلاء الذين لم يكن يرضَ أن ينطق فيهم بكلمة سوء؛ حيث يُروى عنه أنه جاءه رجل فقال له: يا سيدي إن الطلبة كثر عددهم، فاتخذ عليهم حراسا يحرسونهم. فقال له الشيخ: هل أحصيت كم عددهم؟ فقال الرجل: نعم، فقال له: كم؟، فأجاب: 400 طالب أو يزيدون. فقال له الشيخ: أيمكن أن يصلح وينجح منهم أربعة؟!!! قال الرجل: نعم. فقال الشيخ: إن صلح من كل مئة طالب، طالبا واحدا يكفيني ذلك. فسكت الرجل.
وجاء غيره إلى الشيخ وقال: يا سيدي إني وجدت بعض الطلبة في مواطن السوء، فكان رد الشيخ بكل حنكة وحكمة بقوله وأنت ماذا كنت تصنع هناك.
وهو ما يفسر تلك المحبة التي كانت تجمع الشيخ بطلبة العلم حتى قيل أن الشيخ محمد بلكبير كان يعتبر طلبة العلم "مثل أبنائه أو أعز من ذلك".
حيث يروى أن شخصا جاء بسيارة فخمة إلى الشيخ بلكبير فقدمها له [كهدية] وهو يدرس تلاميذته، فقال لهم: من يريد منكم سيارة وها هو مفتاحها. فاستحيا التلاميذ من ذلك، فرفع أحد الأشخاص أصبعه وظن أن الشيخ يمزح معه فقط، فقال له الشيخ محمد بلكبير: خذها فهي لك مباركة طيبة.
ومن أهم الوصايا التي كان يوصي بها الشيخ تلامذته أنه كثيرا ما كان يحذرهم من الإمعة والانسلاخ من الذات، وكثيرا ما كان يردد "العربي زينته العمامة ... وشَعر الوجه له علامة"، وكان يحث على التمسك بالدين والتضحية في سبيله ونشره، ويحذر من كل ما من شأنه أن يجعل المسلم أو الشاب بعيدا عن دينه. [وسنفرد مبحثا لأهم وصاياه رحمه الله]
بـ- رئاسته للمعهد الإسلامي بأدرار:
في سنة 1964م اقترح مفتش وزارة الأوقاف السيد قصيبة - وكان حينها مفتشا بولاية الأغواط - على الوزارة إنشاء معهد إسلامي يكون مقره مدرسة الشيخ، والشيخ بلكبير مديرا له، هذا ماحدث بالفعل عندما نصب الشيخ مديرا للمعهد، وجيء بالأساتذة من مصر [الحبيبة] وبعض الأقطار العربية. ومع هذا كله فقد بقيت نفقة الطلبة من مأوى ومأكل على حساب الشيخ، ومن بين الأساتذة الذين ساعدوا الشيخ في إدارة المعهد نجد الأستاذ "حساني حسان" السوري الأصل الذي كان متجها في بادئ الأمر إلى دولة مالي، إلا أن الشيخ محمد بلكبير ارتأى أن يبقى معه معينا له في إدارة المعهد والتدريس، مقابل أن يصرف له الأجرة التي يطلبها، وهو ما تم فعلا بعد موافقة الأستاذ.
جـ- إصلاحاته:
إنه مما لاشك فيه أن المستدمر الفرنسي عمل على طمس هوية المجتمع الجزائري بل وانسلاخه من قيمه وتقاليده المقتبسة من الإسلام والعروبة، وذلك عن طريق زرع بعض الأفكار والشوائب التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي انتشرت في المجتمع التواتي كما ينتشر المرض المعدي في البيت الواحد؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: انتشار الأضرحة العالية والتمييز العنصري والابتعاد عن بعض قيم الإسلام الحنيف.
وهو ما دفع الشيخ إلى محاربة هذه الآفات، ومعالجة هذه الأمراض داخل المجتمع التواتي بشكل خاص والمجتمع الجزائري بشكل عام.
جـ-1 - في الجانب الديني:
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[26 - 07 - 08, 03:18 م]ـ
جـ-1 - في الجانب الديني:
مما لا يخفى على أحد أن الجانب الديني يشمل علوم الدين من فقه وعبادات ومعاملات، إلى جانب مدى امتثال واهتمام أفراد المجتمع بأمور دينهم. ومن هنا فقد كانت إصلاحات الشيخ في علوم الدين تتمثل في تدريسها بطريقة سلسة مارّة إلى الفهم، وأبعد ما تكون عن تلك الألغاز المقفلة.
كما كان الإصلاح الديني للمجتمع التواتي ضرورة تفرضها ظروف الزمن والمكان، وهو ما تجسد في تلك المجموعات من الطلبة الذين تخرجوا من مدرسة الشيخ محمدبلكبير متجهين إلى مختلف مناطق القطر الجزائري، وإقليم توات خاصة، حيث أن المجتمع التواتي يعج بكثير من البدع والخرافات نتيجة للجهل المنتشر.
وهنا ركز الشيخ على الإرشاد وتعليم المجتمع، من أجل ترك جل الموروثات الجاهلية التي كانت جزءا منكيانه، بتزويد المنطقة بقدرات وكفاءات تعمل على تثبيت دعائم الدين الإسلامي الحنيف، وتبعث عن الطمأنينة والاستقرار، وهنا نضرب مثالا على ذلك في "قصر المطارفة" [وهي قرية صغيرة جدًا] يوجد بها أكثر من 20 طالبا "إماما" تخرجوا على يد الشيخ محمد بلكبير.
¥