أما على المستوى الوطني فقد أثرت هذه الكفاءات في المحيطات الموجودة بها بحيث حفظت للشعب الجزائري الملتف حولها المرجعية الدينية المتمثلة في المذهب المالكي.
جـ-2 - في الجانب الاجتماعي:
لقد كان من بين الأهداف والغايات الكبرى للشيخ أن يسهم في بناء مجتمع ملؤه الإسلام وفكره الإسلام ولغته العروبة، مبني على المحبة والمساواة والأخوة، إلا أن ذلك لم يتسنّ له إلا بالعمل الدؤوب والإرادة القوية من أجل الإصلاح والبناء، ومن ثمة فقد عمل الشيخ على إصلاح المجتمع التواتي عن طريق:
1 - لم شمل القبائل المتنافرة: حيث كان المجتمع عبارة عن شتات من القبائل كل واحدة متمسكة بمبادئها ولا تكاد تنفتح على غيرها من القبائل الموجودة حولها. إلا أن الشيخ عملعلى جعل هذه القبائل في بوتقة واحدة متعاونين متحابين.
2 - محاربة التمييز العنصري والتسوية بين المسلمين: فقد كان من بين المخلفات التي تركها الاستدمار زرع الشقاق بين أفراد المجتمع الواحد عن طريق عدم التسوية بينهم وتفضيل بعضهم على بعض من خلال تفضيل الأبيض عن الأسود، وهنا كان عمل الشيخ ينصب على التسوية بين الناس من خلال التوعية الدينية وتعليم الأجيال وتثقيفهم بتعاليم القرءان الكريم والسنة النبوية.
3 - محاربة البدع والخرافات: التي كانت موصلة بالإنسان إلى الشرك مثل الطلب من الأولياء وتقديسهم وإعطائهم أكثر مما أوجب الله علينا اتجاههم والذبح لهم، حيث كان الناس يذهبون إلى أضرحة الأولياء ويرجون منهم الرزق والصلاح والفلاح أي يجعلونهم واسطة بينهم وبين الله عز وجل.
وهنا عمل الشيخ على إرشاد وتوعية المجتمع من خلال تعليمه لعقائد الدين الحنيف وتوجيه المجتمع إلى نبذ تلك الأفكار والمعتقدات الغريبة عن الإسلام والمسلمين.
4 - محاربة أشكال الفساد: مثل شرب الخمر والزنا والسرقة. وهنا عمل الشيخ على التوعية والموعظة والتنبيه بمخاطر هذه الآفات على المجتمع وتبين عواقبها الدنيوية والأخروية، كما عمل على غلق محلات الفساد وبيع الخمور بشتى الوسائل والطرق، حيث لا يزال إقليم توات ومن ورائه ولاية أدرار لا يحوي على محل واحد لبيع الخمور [والحمد لله].
وهنا نذكر أن الشيخ قد وقف أمام أحد المشاريع الذي يقضي بإقامة محل لبيع الخمور بقصر "أولاد إبراهيم"واستعمل نفوذه في منع ذلك وهو ما تم فعلا.
5 - الدعوة عن طريق الموعظة الحسنة: وهو ما أكسبه حب المجتمع التواتي بكل شرائحه حيث اقتبس ذلك من القرءان الكريم والسنة النبوية الشريفة، قال تعالى: {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}
ويتضح ذلك جليا في تلك الرواية التي تروي قصة أفراد فرقة غنائية تعودوا على إقامة حفلاتهم بالقرب من مدرسة الشيخ، الأمر الذي كان يشكل مصدر إزعاج لطلبة المدرسة، فطلب التلاميذ من الشيخ محمد بلكبير أن يدعو عليهم بالسوء فكان رده أن قال لهم: "اِرفعوا أيديكم" ودعا لأفراد الفرقة بعكس ما كان ينتظرونه منه؛ أي دعا لهم بالخير، فكان رد هؤلاء أي أعضاء الفرقة بعد سماعهم ما حدث أن تركوا تلك الأفعال الطائشة وأصبحوا من رواد حلقة الدرس في مجلس الشيخ ومن عمار بيت الله.
6 - محاربة الجهل والأمية: لقد كان المجتمع بعد بزوغ فجر الاستقلال أميا بدرجة كبيرة تنتشر فيه أشكال الجهل والأمية، وذلك نظرا لتلك السياسة التي انتهجها المستدمر الفرنسي في الجزائر والقائمة على ضرورة تجهيل المجتمع الجزائري وطمس شخصيته العربية والإسلامية.
ومن ثمة فقد عمل الشيخ محمد بلكبير على نشر العلم والمعرفة وتعليم شرائح المجتمع بديهيات الكتابة واللغة العربية، بل وتزويدهم بمعارف تعود عليهم بالفائدة في الدنيا والآخرة، وذلك عن طريق الصرح العظيم المتمثل في مدرسة "الشيخ بلكبير" التي انتشر صيتها داخل إقليم توات وخارجه منذ إنشاءها.
وقد عملت هذه المدرسة على تعليم الصغار والكبار معا، تحت شعار "العلم نور والجهل ظلام"، وهو ما عاد على المجتمع التواتي بالخير والرقي والازدهار خاصة وأنها مفتوحة لكل طبقات المجتمع من فقيرهم إلى غنيهم.
¥