وأراك تغافلت عن براءة الأستاذ من كتابه، بل من تلك الفترة من حياته، في حفل الجائزة!
وجميع النصوص التي أوردتَها أحفظُها عن ظهر قلب، وكلها لا تؤدي إلى المطلوب، وهو أن المتنبي علوي النسب وأن العلويين تآمروا عليه وحرموه من حقه! فإن مدار تلك النصوص على الرضاعة فيهم والدراسة معهم، وهما أمران لا علاقة لها بالنسب!!
وها هو الشيخ عادل بن سالم الكلباني حفظه الله، إمام الحرم المكي الشريف، سمعت أنه نشأ في بيت الملك خالد رحمه الله، وأنه تربطه صلة رضاعة ببنات الملك. مع أنه لا تربطه بالأسرة السعودية صلة نسب البتة.
وإذن فهذه نصوص عثر عليها الشيخ محمود شاكر بعد أن استحكم علمه، فاستعان بها للدفاع عن رأي رآه في شبابه قبل أن يستحكم علمه!!
وأما تفسيرك للتذوُّق فينهار بقول الأستاذ الذي أوردتَه أنت (والقول بأن المتنبي علوي النسب، قول لم يسبقني إليه أحد من القدماء ولا المحدثين، ولا جاء به خبر يدل عليه، أو يعين على افتراض هذا الفرض من قريب أو بعيد. فكيف جاء إذن، وكيف صار جزءًا من عمود الصورة، لا بل هو الصورة كلها).
والحقيقة أن التاريخ لم يصمت عن نسب المتنبي، بل نصّ بكل وضوح على أن المتنبي جعفيّ النسب، وأن أباه عيدان السقَّاء، وشهد بذلك أعظم رجلين في الكوفة آنذاك: محمد بن يحيى المرشح للخلافة، وابن أبي شيبان العباسي قاضي القضاة في الدولة العباسية. ومعلوم أنه ادَّعى النسب العلوي مع النبوَّة في بادية الشام، كما فعل كثير من المغامرين والثائرين عبر التاريخ، ثم استتيب وسكت عن الدعويين، وأضرب عن الانتساب إلى أي قبيلة إلى أن مات.
وإذن فكلام الأستاذ معناه أن نصوص التاريخ لا قيمة لها، بل القيمة كل القيمة لذوق الدارس، وأن من حقه أن يتهم طائفة من كرام الناس (العلويين) بكبيرة من الكبائر، بل بغريبة من الغرائب، وهي إنكارهم لواحد من أولاد كبرائهم!!
وإذا سلَّمنا بهذه القاعدة فقد انهار تاريخنا كله، لأن كل إنسان يستطيع أن يتذوق النصوص كيف يشاء!
ماذا لو قال قائل مثلاً: تذوَّقت نصوص السيرة النبوية فصحَّ عندي ما تقوله الرافضة في الصحابة؟
ولماذا ننكر على طه حسين أن يتذوق الشعر الجاهلي فيرى أنه منحول؟!
وقد أوضح الأستاذ (ص 46) أن هذه الصورة للمتنبي خطرت له فجأة بعد صلاة الفجر من يوم 12 رمضان 1354 (أوائل ديسمبر 1935)، وأنه كتب الفصل الأول في بقية ذلك اليوم (وهو أساس الكتاب)، وسلَّمه للمطبعة من الغد، واستأنف كتابة بقية الفصول، وبعد بضعة وعشرين يوماً خرج الكتاب مطبوعاً في عدد يناير من مجلة المقتطف. وإذن فقد خطرت فكرة النسب العلوي للأستاذ واستوت كتاباً في بضع ساعات.
ولعلمك الكريم: الناس يقرأون شعر المتنبي منذ أحد عشر قرناً إلى الآن، ولا يزالون، ولم يجد أحد منهم فيه ما وجده الشاب محمود شاكر من دليل على نسبه العلوي، فضلاً عن إنكار العلويين له، بل وجدوا فيه رجلاً يتهرب من الانتساب، كما سجَّل التاريخ تماماً!
فقولك بأن التذوُّق شيء غير الحدس الفردي غير صحيح، لأن الذين يصدقون بما رواه التاريخ من حال المتنبي قرأوا شعره وتذوَّقوه ولم يجدوا فيه ما ينسف التاريخ! فإذا قائل: ذوقي يختلف عن ذوقكم، يُقال له: هذا رأيك، والنصوص بيننا وبينك.
ولعلمك الكريم أيضاً: الشيخ شاكر لم يطبق هذه القاعدة إلا في كتاب المتنبي الذي كتبه في شبابه، وأما في جميع أبحاثه وتحقيقاته فهو مؤرخ من الطراز الأول، ولم يقل أبداً في أي مكان آخر: التذوق مقدَّم على النصوص!!
و
ـ[علي بن أحمد الاماراتي]ــــــــ[08 - 09 - 08, 10:51 م]ـ
أظن أن منهج التذوق طبّقه الاستاذ محمود شاكر أبو فهر - وهو يدافع عن المعري في أباطيل و اسمار و ليس التذوق كما يقول الفاضل خزانة الادب بل التحليل العلمي لكل حادثة و ما يحوط بها و تراى يتجلّى اكثر في نقض ادعاءات لويس عوض و نسفها نقطة نقطة على وفق منهج التذوق و لا اظن المنهج اقتصره ابو فهر على المتنبي فقط
اعتذر عن جرأتي
ـ[أبو فهر السكندري]ــــــــ[09 - 09 - 08, 01:45 ص]ـ
¥