ومازالت محضرة تسليم من أكبر محاضر منطقة كاسماس وأكثرها إنتاجا من الناحية العلمية والثقافية والتنموية، حيث لا تزال الدراسة فيها سائرة على الطريقة التقليدية مع الاهتمام الكبير بالدراسات العصرية، حيث عمل الشيخ الحاج سيدي جابي على تطوير المحضرة وتفعيلها لتتناسب مع المتطلبات العصرية.
ويلاحظ أن التعليم الإسلامي في هذه الفترة لا يختلف عما كان عليه في الفترة السابقة فلم يطرأ عليه أي تغيير ذي بال لا مادة ولا منهجا، بل بقيت الكتب المقررة في الفترة السابقة هي نفسها المقررة في الفترة اللاحقة،- غالبا- وكذا يقال في المنهج وفي طرق التدريس.
وان كان هناك تطور فلا يتجاوز الازدياد في عدد المحاضر والكتاتيب حيث لا تكاد تجد قرية ولا مدينة إلا وفيها كُتاب أو محضرة على تفاوت في جودة أدائها والدور الذي تلعبه في التعليم والتثقيف. وقد تخرج منها علماء مشاركون في بعض الفنون وخاصة في اللغويات والفقهيات على قلة في عددهم.
ويلاحظ أيضا أن الدراسة في هذه الفترة لم تتغير لا هيكلا ولا شكلا، بل بقيت بدائية تقليدية لم يطرأ عليها تطوير كبير، حتى من الناحية التنظيمية، ولم تَتَبَنَّ الْمنطقة الدراسةَ النِّظامية إلا في الآونة الأخيرة، بل ظلت – ردحا من الزمن - تحاربها وتضع العراقيل أمام تقدمها، مما كان له أسوأ الأثر في قلة الوعي الديني لدى الشباب الكاسماسي وفشو الجهل وشيوع الأمية لدى العامة. وقد خفَّت حِدة التوطر بين الاتجاهين في الآونة الأخيرة وإن بقي كثير من أنصار القديم يأنفون من قبول هذا النمطمن الدراسة حفاظا على التقاليد والموروث القديم.
وفي هذه الفترة بدأ العلم والثقافة الإسلامية تنتشر من بين فلانيي كاسماس انتشارا بينا، وأسسوا مجالس ومراكز علمية كثيرة، لحقوا بها بجيرانهم من الماندنك، وظهر منهم علماء وزعماء دينيون كبار ساهموا في نشر الإسلام والثقافة العربية الدينية، أمثال الشيخ الحاج عالي تيام، والشيخ محمد ألفا تومبا بالدي.
وهذه الطبقة علميا أرقى من سابقتيها وهي في واقعها عبارة عن مجموعات متتالية تباعا إلى اليوم سافروا إلى فوتا طورو حيث مدارس العلم ومعاهد الثقافة لاكتساب البراعة في اللغة والنحو والبلاغة، وعلوم الدين فقها وتوحيدا وتفسيرا الخ: فمن بين هؤلاء الذين سافروا إلى فوتا طورو ونبغوا جدا في العلم أبو بكر سعيد جاو ومحمد بن عمر سيدي [محمد جولدي]، وعمر بن الزبير ومحمد الأمين بن الزبير ومنتقى جاو وصالح جاو وأبو بكر جاو وأضرابهم من نخباء الشعب فآبوا أوبة مباركة جبر الله بهم كسر أجدادهم وشرعوا يصلحون ما أفسدته يد الجهالة.
ولا تختلف مناهجهم ومقرراتهم الدراسية عن نظيراتها في فوتا طورو حيث تتلمذوا فيها واستقوا من معين علمائها، مع العلم بأن مناهج الدراسات المحضرية في غرب أفريقيا عموما لا تكاد تختلف من منطقة لأخرى، حيث يركزون على الفقه المالكي بسلسلته المشهورة، ثم على اللغويات أدبها ونحوها وصرفها وبلاغتها، ويختمون دراساتهم بتلقي تفسير القرآن الكريم.
الإسلام فى كاسماس فى الفترة مابين [1960] إلى اليوم
طلع فجر استقلال السنغال والإسلام هو الدين السائد والأكثر انتشارا في منطقة كاسماس الطبيعية بفضل جهود حملة الدعوة فيها إذ دخل معظم قبائل جولا وبَلَنْتَ فِي الإسلام وجماعة من قبيلة مانجاك، منضمين إلى إخوانهم من الماندنك والفلان الذين ظلوا محافظين على الإسلام.
ولم يزل الإسلام يتابع سيره في اختراق صفوف الوثنية وغزوها في معاقلها، وقد كتب له نجاح باهر، وتقدم سريع في الانتشار، بيد أن البعثات التنصيرية لم تزل هي الأخرى تحاول اجتياح المنطقة وتنصيرها ولكنها أخفقت في إحراز تقدم في الصفوف المسلمة، وإن أحرزت بعض النجاح بين القبائل الوثنية وخاصة في جُولاَوِيِّى إِيرَامِّي وكَاسَ وبَيُوطُو المنتشرين في الحدود الجنوبية الغربية مع بيساو.
أما الماندنكيون فقد بقي العلم والثقافة الإسلامية على ما كان عليه في الفترة السابقة، فلم يستجد فيه شيء يذكر اللهم إلا ما كان من طلوع نجم بعض المشايخ والعلماء ساهموا مساهمة فعالة وبذلوا جهودا كبيرة في نشر العلم والثقافة الإسلامية بين أبناء المنطقة، مما جعلهم يتبوؤون مكانا مرموقا في نفوس الناس لحقوا به من سبقوهم في المضمار من حملة العلم والدعوة.
¥