تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه هي همّة طالب العلم الذي امتدت إليه رعاية الله سبحانه وتعالى، فبارك له في فهمه وعلمه ووقته وغيرها من الأمور، ومنها البركة التي حلت عليه بعد رجوعه من الحج عام (651هـ) كما قال والده (رحمه الله): "ولما توجهنا للرحيل من نوى أخذته الحمى إلى يوم عرفة، قال: ولم يتأوه قط، فلما عدنا إلى نوى ونزل هو إلى دمشق صب الله عليه العلم صباً "، ولم يكتفِ بهذا الكم من الدروس، بل كان كما قال (رحمه الله): وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا الإمام العالم الزاهد الورع أبي إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي الشافعي (650هـ) ولازمته فأعجب بي لما رأى من اشتغالي وملازمتي وعدم اختلاطي بالناس، وأحبني محبة شديدة وجعلني معيد الدرس في حلقته لأكثر الجماعة، وقال أيضاً:"وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل ووضوح عبارة وضبط لغة"، هذا عن دروسه، أمّا عن طريقة حفظه فيذكر لنا الشيخ ابن العطار عن شيخه:قال الشيخ: حفظت التنبيه في أربعة أشهر ونصف وحفظت ربع المهذب في باقي السنة.

حرصه على الوقت:

كان (رحمه الله) حريصاً كل الحرص على وقته الذي كرسه في الاشتغال بالعلم وذكر عنه: "انه كان لا يضيع وقتا في ليل ولا نهار إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطريق ومجيئه يشتغل في تكرار محفوظة أو مطالعة، وانه بقي على التحصيل على هذا الوجه نحو ست سنين قبل اشتغاله بالتصنيف ومجاهدة النفس "، وكان معرضاً عن شواغل الحياة وملاذِّها "وقد صرف أوقاته كلها في الخير، فبعضها للتأليف وبعضها للتعليم وبعضها للصلاة وبعضها للتلاوة بالتدبر وبعضها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. ثم اشتغل بالتصنيف والاشتغال والإفادة والمناصحة للمسلمين وولاتهم مع ما هو عليه من المجاهدة لنفسه والعمل بدقائق الفقه والاجتهاد على الخروج من خلاف العلماء، وإن كان بعيداً والمراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من الشوائب يحاسب نفسه على الخطرة بعد الخطرة، وكان محققاً في علمه وفنونه مدققاً في علمه وكل شؤونه حافظاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عارفاً بأنواعه كلها من صحيحة وسقيمة وغريب ألفاظه ومعانيه واستنباط فقهه، حافظاً لمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه ومذاهب الصحابة والتابعين واختلاف العلماء ووفاقهم واجتماعهم وإجماعهم سالكا طريق السلف". هكذا كانت رحلة الإمام النووي (رحمه الله) في طلبه للطلب، فكان له من المنزلة ما كان عليه بين العلماء وطلبة العلم وعامتهم وسأبينه لاحقاً إن شاء الله.

2ـ رحلته إلى مكة المكرمة (شرفها الله):

ذكرت لنا المصادر التي ترجمت للإمام النووي أنه حج بيت الله الحرام، وزار نبيه صلى الله عليه وسلم مرتين، فأما المرة الأولى فكانت سنة 651هـ، وأما بخصوص حجته الثانية فلم أجد من صرح بوقتها سوى ما قيل: "فلما توفي شيخه ازداد اشتغاله بالعلم والعمل وحج مرة أخرى" لكنني ومن خلال وقوفي على كتاب " تهذيب الأسماء واللغات" وجدته قد صرح بهذا من خلال ما نص عليه في القسم الثاني (اللغات) مادة (خنثى) عند جوابه على سؤال قوله: (وقد وقع هذا الخنثى في البقر فجاءني جماعة أثق بهم يوم عرفة سنة أربع وسبعين وستمائة .... ) وهذا ما ذهبت إليه لم يسبقني إليه أحد ممن ترجم له ولله الحمد.

3ـ رحلته إلى بيت المقدس:

ذكر ابن العطار (رحمه الله): أنَّ الإمام النووي سافر إلى بيت المقدس قبل وفاته بشهرين، وقال: "وجرى لي معه وقائع ورأيت منه أموراً تحتمل مجلدات، فسار إلى نوى وزار القدس والخليل عليه السلام ثم عاد إلى نوى".

سادساً: عبادته وزهده وورعه: لم تكن المكانة العلمية التي وصل إليها الإمام النووي على هذا القدر لو لم يكن من المتقين تصديقاً لقوله تعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّه) سورة البقرة / من الآية282، فقد تميزت عبادته بصفاء العقيدة وسعة العلم، وكثرة الإطلاع، فقد نقل ابن العطار ثناء أحد العلماء عليه "كان الشيخ محيي الدين سالكاً منهاج الصحابة ولا اعلم أحداً في عصرنا سالكاً منهاجهم غيره"،فقد ثبت عنه أنه كان صائم الدهر قائم الليل لا يضيع له وقت إلاّ في الاشتغال بعلم أو عبادة، وذكر الإمام اليونيني فقال: " كان كثير التلاوة للقرآن العزيز، والذكر لله تعالى معرضاً عن الدنيا مقبلاً على الآخرة من حال ترعرعه"،ونقل ابن العطار عن أحد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير