تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

علماء الحنابلة قال: "كنت ليلةً في جامع دمشق والشيخ واقف يصلي إلى سارية في ظلمة وهو يردد قوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُون) سورة الصافات/ من الآية24. مراراً بحزن وخشوع حتى حصل عندي من ذلك ما الله به عليم"،هذا شيء يسير لبيان حاله في العبادة.

زهده:

أما عن زهده، فقد أعرض عن الدنيا بملذاتها وزخرفها، فلم يغتر بها وتركها وراءه وجعل حظَّه منها كزاد الرَّاكب أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر تلميذه ابن العطار عن أحد العلماء قوله: "عذلت الشيخ في تضييق عيشه في أكله ولباسه وجميع أحواله وقلت له أخشى عليك مرضا يعطلك عن أشياء أفضل مما تقصده فقال إن فلانا صام وعبد الله حتى اخضر عظمه قال: فعرفت انه ليس له غرض في المقام في هذه الدار ولا يلتفت إلى ما نحن فيه … وقال أيضاً: ورأيت رجلاً من أصحابه قشر خيارة ليطعمه إياها فامتنع من أكلها وقال: أخشى أن ترطب وتجلب النوم، وعنه أيضاً أنه قال: "وكان لا يجمع بين إداميّن ولا يأكل اللحم إلاّ عندما يتوجه إلى نوى"، هكذا كان حال إمامنا لقد ترك جميع ملذات الدُّنيا من المأكل والمشرب إلاّ ما يأتيه من أبيه من كعك يابس وتين حوراني، ولم يلبس من الثياب إلاّ المرقعة، وصدقه هذا جعله رأساً في الزهد قدوة في الورع إماماً في العلم

ورعه:

لقد كان الإمام النووي (رحمه الله) علماً ونموذجاً صالحاً اجتمعت فيه صفات السلف الصالح في سلوكه وعلمه وتقواه كما قال الإمام السبكي: "ما اجتمع بعد التابعين المجموع الذي في النووي ولا التيسير الذي تيسر له ومن ورعه قال ابن العطار: "كان لا يأكل من فاكهة دمشق، فسألته عن ذلك فقال: دمشق كثيرة الأوقاف وأملاك من هو تحت الحِجْر شرعاً، والتصرف في ذلك لا يجوز إلاّ على وجه الغبطة والمعاملة فيها على وجه المساقاة وفيها خلاف بين العلماء، ومن جوزها شرط الغبطة والناس لا يفعلونها إلاّ على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك فكيف تطيب نفسي لأكل ذلك"، وكان لا يأخذ من أيِّ جهة مالاً، ولا يتناول طعاماً، ولا يقبل شيئاً من أحد، قال السخاوي نقلاً عن الذهبي: " إنه ترك جميع الجهات الدنيوية، فلم يكن يتناول من جهة من الجهات درهماً فرداً، وأنه ما أخذ للأشرفية فيما بلغني جامِكيَّتة بل اشترى بها كتباً ووقفها " ورحم الله الإمام اليونيني إذ قال: "والذي أظهره وقدمه على أقرانه، ومن هو أفقه منه كثرة زهده في الدُّنيا، وعظم ديانته وورعه ".

سابعاً: وفاته:

عاش إمامنا حياة فضيلة كُرِّست لطاعة الله وخدمة دينه،حتى إذا جاء يوم الأربعاء الرابع والعشرون من شهر رجب سنة (676هـ) انتقل الإمام العالم العابد الزاهد التقي وحيد عصره وزمانه إلى جوار ربه عزَّ وجل، ولكن هذه سنة الله في خلقه إذ قال سبحانه وتعالى (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) سورة المنافقون/الآية 11، وذكر الإخباريون أنَّ صدره كان يجيش ببعض الأمارات الدالة على دنوّ أجله. قال ابن العطار: "وكنت جالسا بين يديه قبل انتقاله بشهرين، وإذا بفقير قد دخل عليه، وقال الشيخ فلان من بلاد صرخد يسلم عليك، وأرسل معي هذا الإبريق لك، فقبله وأمرني بوضعه في بيت حوائجه فتعجبت منه لقبوله، فشعر بتعجبي، وقال أرسل اليَّ بعض الفقراء زنبيلا وهذا إبريق فهذه آله السفر… ثم بعد أيام يسيرة كنت عنده، فقال قد أذن لي في السفر فقلت: كيف آذن لك؟ قال: بينما أنا جالس هاهنا ـ يعني ببيته بالمدرسة الرواحية وقدامه طاقة مشرفة عليها مستقبل القبلة ـ إذ مرَّ علي شخص في الهواء من هنا ومر كذا يشير من غربي المدرسة إلى شرقيها وقال: قم سافر لزيارة بيت المقدس، ثم قال: قم حتى نودع أصحابنا وأحبابنا، فخرجت معه إلى القبور التي دفن فيها بعض شيوخه فزارهم، وبكى ثم زار أصحابه الأحياء" وذهب لزيارة بيت المقدس والخليل، وعاد بعدها إلى نوى ومرض هناك في بيت والده، وقال ابن العطار: "بلغني مرضه، فقدمت من دمشق لعيادته ففرح بي وقال: ارجع إلى أهلك وودعته وقد أشرف على العافية يوم السبت العشرين من رجب سنة ست وسبعين وستمائة وتوفي ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من رجب، ودفن صبيحتها بنوى"، ووصل خبر وفاته إلى دمشق في ليلة الجمعة، قال:" فبينا أنا نائم تلك الليلة وإذا بمناد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير