تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[مصعب الجهني]ــــــــ[30 - 10 - 08, 12:27 ص]ـ

ثقافة عبيد بن شرية:

لا نستطيع الحكم على ثقافة عبيد إلا من خلال الكتب التي وضعها. وأبرز هذه الكتب هي الأمثال، وكتاب الملوك وأخبار الماضين. ومن خلال تتبع كتب الأمثال التي وصلت إلينا لم نجد فيها ما يشير إلى أن أحدهم قد أخذ عن عبيد. وحتى بعض الأمثال التي جاءت في أخبار عبيد ([31]) حاولت البحث عن أصل لها في كتب الأمثال فلم أعثر عليها. ولو أن لهذه الأمثال قيمة علمية في ذلك الوقت، لربما اعتمد عليه من وضع كتباً بهذا الباب. وبالتالي، فإن ذكر اسم الكتاب لا يعطينا صورة واضحة عن ثقافته.

أما الكتاب الثاني، وهو "كتاب الملوك وأخبار الماضين"، فهو الكتاب الذي جاء عنوانه مختلفاً في المصادر التي كتبت عن عبيد. وأخيراً، وصل إلينا هذا الكتاب تحت اسم "أخبار عبيد بن شرية الجرهمي في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها" ([32]).

ومن خلال ما جاء في "أخبار عبيد"، نجد أن عبيداً كان على درجة من المعرفة بأخبار ملوك لخم وكندة وحمير وغسان ([33]) بالإضافة إلى معلومات عن العرب البائدة مثل عاد وثمود وطسم وجديس وإرم والعماليق وجرهم وقحطان بن هود ([34])؛ كما أشار إلى قبيلة جرهم في مكة وزواج إسماعيل منهم ([35]).

وجاءت معلوماته حول هذا الأمر مختصرة جداً، بل هي ليست بالجديدة عما كان يتداوله أهل قريش قبل الإسلام. ومن الطبيعي أن يكون لهذه المعلومات انطلاقة جديدة لدى أهل قريش عندما جاء الإسلام، وأخذ الرسول r يبشر بالدين الجديد.

وقد أشار عبيد إلى شعر لحسان بن ثابت يذكر تمود ([36])، وشعر لأمية بن أبي الصلت ([37]). وهذا ما يؤكد ما ذهبت إليه.

وانتقل عبيد إلى الحديث عن بابل، وتفرق الناس في ذلك الوقت. وهي أيضاً معلومات مقتضبة لا تخرج أيضاً عن كونها قصصاً كان يتداولها الناس في ذلك الزمن.

ويبدأ عبيد في بداية كتابه بالاستشهاد بالشعر. والواقع أن غالبية الأشعار التي جاء بها عبيد قد وردت لدى وهب بن منبه، مع بعض الاختلاف في الألفاظ، وتقديم صدر بيت أو عجزه على الآخر، وفي بعض المواقع من كتاب "الإكليل" للهمذاني.

وإذا كانت وفاة وهب سنة 114 هـ ([38])، ووفاة عبيد بن شرية سنة 67 هـ أو 70 هـ ([39])، فمن الطبيعي أن يكون وهب قد عاصر عبيداً، إذ أن ولادة وهب كانت سنة 34 هـ ([40]). ولكننا لا نجد ذكراً لعبيد في روايات وهب بن منبه؛ كما أننا لا نجد ولو رواية واحدة لابن هشام ترد عند عبيد بن شرية.

والملاحظ في أمر هذا الكتاب ما يلي:

أولاً: أن عبيداً في الكتاب كان يخاطب معاوية باسمه فقط. فقد وردت أربعاً وعشرين مرة في الكتاب، وأحياناً أخرى بلفظة» أمير المؤمنين «([41]). صحيح أن بعض رؤساء القبائل كانوا يخاطبون معاوية باسمه في بعض الأحيان؛ كما أشار إلى ذلك الوليد بن عبد الملك في بعض خطبه عندما قال:» إنكم تكلمون من كان قبل من الخلفاء بكلام الأكفاء وتقولون يا معاوية ويا يزيد «([42]). إلا أن ذلك لم يكن ليسمح به من قبل عبيد في مجالس سمر معاوية.

ثانياً: يرد كثيراً عند عبيد بن شرية وهو يقول معاوية بقوله: سمعت ابن عمك ـ والمقصود عبد الله بن عباس ([43]). فهل كان يسر معاوية أن يتحدث عبيد عن ابن عباس، وهو يرى في بني هاشم الخصوم الألداء أو أن هذا الكتاب قد دون فيما بعد، أي بعد قيام الدولة العباسية، فحاول الرواة إعطاء صورة عن علم ابن عباس (صورة تمجيدية)؟

جاء الكتاب على صيغة أسئلة وجهها معاوية لعبيد بن شرية، وكان عبيد يجيب عليها. وهذا يشير إلى أن معاوية كانت لديه معلومات سابقة عن هذه الأمور، وإلا لما تكونت لديه حصيلة معرفية عن طبيعة هذه الأسئلة.

ثالثاً: إن عبيد قد حفظ الكثير من الآيات القرآنية. وقد عبر عن ذلك في أكثر ما يزيد على أربعة وعشرين آية أوردها في مواضع متعددة. ويبدو أن معاوية قد أعجب بحفظ عبيد فسأله:» هل قرأت القرآن؟ «. فأجاب:» حفظته في شهر «([44]).

رابعاً: لم تقتصر ثقافته على قراءة القرآن الكريم، بل تعدى ذلك إلى الحديث الشريف ([45]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير