خامساً: ثقافته الشعرية. يلاحظ أن عبيداً قد أكثر من اقتباس الأشعار التي تؤيد وجهة نظر في ما رواه. ومثال ذلك ما ذكره من شعر الأعشى والنابغة، وأمية بن أبي الصلت، وأسد بن عباس بن مرداس، وابن ربيعة الكلابي، وحسان بن ثابت وغيرهم من الشعراء وهم في أغلبهم ممن كانوا في الفترة التي سبقت الإسلام مباشرة ([46]).
سادساً: أورد عبيد أقوالاً كثيرة لعبد الله بن عباس. ولم تتوافر لنا معلومات حول لقائه بابن عباس، ولكن من المرجح أن عبيداً قد التقى بابن عباس عندما كان الاثنان في العراق. ويؤكد ذلك ما ذكره عدة مرات أنه سمع ابن عباس ([47]).
سابعاً: كان عبيد في كثير من الأحيان يلجأ إلى التفسير ليربط بين النص القرآني والأحداث التي تحدث عنها معتمداً في ذلك على تفسير ابن عباس ([48]).
ثامناً: وعرف عن عبيد أنه كان يجيد لغات أخرى غير اللغة العربية مثل اللغة السريانية والعبرانية. فترد إشارات يذكر الاسم بالعربية وما يقابله بالعبرية أو السريانية ([49]). فأبو إبراهيم آزر واسمه تارخ، وعبار هو هود.
رأي العلماء في عبيد بن شرية:
يمكن تقسيم وجهة نظر العلماء في عبيد إلى فريقين:
أولاً: فريق العلماء الأوائل؛
ثانياً: فريق العلماء المحدثين.
أما الفريق الأول، فيأتي في مقدمته ابن النديم عندما تحدث عن الإخباريين وفي مقدمتهم عبيد، وعدَّه من أوائل الإخباريين الذين سردوا التاريخ بأسلوب قصصي ([50]). ومع أن المصادر الأولية التي وصلت إلينا لم تشر في غالبها إلى عبيد، فإننا نجد أن البعض قد أخذ عنه بعض المعلومات، ولاسيّما المتعلقة بأخبار اليمن ([51]).
ويأتي في طليعة من أخذ عن عبيد الدينوري ([52]) والمسعودي حيث قال:» وأما عبيد بن شرية حين وفد على معاوية وسأله عن أخبار اليمن وملوكها وتواريخ سنيها، فإنه ذكر أن أول ملوك اليمن سبأ بن يشجب. وإذا قارنا معلومات المسعودي بمعلومات عبيد، نجد تطابقاً بين الاثنين ([53])؛ كما نجد أيضاً هذا التطابق في كتاب "تاريخ سني ملوك الأرض" للأصفهاني ([54]). ويتناسب هذا التطابق مع ما أورده وهب بن منبه ([55])، ثم جاء الهمذاني فيما بعد وضمّن كتابه بعض الروايات التي ذكرها عبيد بن شرية في كتاب "الإكليل" ([56]). وهذا يعطينا مؤشراً بأن الرواة الأوائل قد اعتمدوا على مصادر لم تصل إلينا، أو على قصص وأساطير كان يتداولها الناس في ذلك الوقت.
وأما الفريق الثاني، فيأتي في طليعته» كرنكو «الألماني الذي ادعى أن عبيد بن شرية شخصية خرافية اخترعها ابن النديم ([57]). وأود الإشارة هنا إلى أن عبيد بن شرية قد ذكر في المصادر قبل ابن النديم بفترات طويلة. فالكلبي الذي عاش في القرن الثاني الهجري قد ذكر معلومات عن عبيد قبل ابن النديم بقرنين من الزمن. وكنا نتمنى لو أن» كرنكو «دعم معلوماته بما ذهب إليه، ثم ما الفائدة التي سيجنيها ابن النديم من اختراعه لهذا الاسم، وهو يعلم أن كتابهُ عبارة عن ببليوغرافيا للمؤلفين وكتبهم في الحضارة العربية الإسلامية حتى عصره.
إن نزولنا عند رأي» كرنكو «معناه نزولنا عن مصادرنا والطعن فيها. فإذا كان ابن النديم يأخذ عمن يتلقف من الأفواه دون تثبت، فما قيمة كتابه "الفهرست"؟ وإذا كان ابن النديم يأخذ عن غير المتثبتين ـ لأنه ذكر ابن شرية ـ، فلم لا يكون ابن قتيبة كذلك من الذين يأخذون من غير المتثبتين ـ فهو أيضاً ذكر ابن شرية وقاله عنه:» وفد على معاوية، فسأله عن الأخبار المتقدمة «ـ وما قيمة كتبه: "المعارف" و"عيون الأخبار" و"الشعر والشعراء" وغيرها؟ ولم لا يكون الدينوري مثل ابن النديم يأخذ من غير المتثبتين: فهو أيضاً ذكر عبيد بن شرية في كتابه "الأخبار الطوال"، فقال عنه:» وذكر عن ابن شرية أنه قال، إلخ «. وما قيمة مؤلفاته؟!
فالحكم على عبيد بن شرية بأنه شخصية خيالية، وعلى أخباره بأنها من اختراعات أصحاب القصص، حكم يسري على ابن منبه وكعب الأحبار وغيرهما ممن تحدث في العصر الإسلامي عن التاريخ بعقلية النصوص التي اطلع عليها.
¥