أما جب ( Gibb)، فيقول عن كتاب العرب الجنوبيين، ومنهم عبيد، بأنهم يفتقرون إلى الحس والمنظور التاريخي حتى حينما يتطرقون إلى أحداث تكون معاصرة لهم ([58]). من الطبيعي أن لا يكون لمثل هؤلاء الرواة ذك الحس في تلك الفترة، إلا أنه يمكن القول إنهم بدأوا بوضع أسس المدرسة التاريخية اليمنية.
أما عن المؤرخين العرب المحدثين، فقد عده جواد علي في طليعة من اشتغل برواية أخبار ما قبل الإسلام ([59]). وأخذ عليه جواد علي أن أسلوبه كان يميل للأسلوب القصصي الأسطوري ([60])، ثم إن الأشعار التي ذكرها على ألسنة التابعة قد تكون من صنعه ([61]).
ولم يكن عبيد أول من اتهم بوضع الإشعار لتأييد وجهة نظره في الأحداث التي يرويها، بل إن من جاء من بعده مثل محمد بن إسحق قد وجهت إليه مثل هذه التهمة.
وإلى مثل ذلك ذهب الدوري الذي ذكر أن الروايات اليمنية الموجودة في المصادر الأولى بمجموعها ذات طابع أسطوري حتى ما كان منها في القرن السادس الميلادي، وهو القرن الذي ظهر فيه الإسلام. قبل أن تصلنا روايات متينة، نجد الرواة مثل عبيد بن شرية ووهب بن منبه (ت 114 هـ/ 732 م) يوردون قصصاً خيالية شعرية لتاريخ اليمن هي مزيج من القصص الشعبي والإسرائيليات ([62]).
ويرى شاكر مصطفى أن عبيد كان نواة مدرسة اليمن وأساس مدرسة الشام في التاريخ ([63])، وأن أول تدوين تاريخي معروف في الإسلام كان في دمشق وبأمر من معاوية حين استقدم عبيد بن شرية إليه وسأله عن أخبار الأمم وأمر الكتبة أن يدونوا أقواله وأن تنسب إليه ([64])؛ كما يراه السيد عبد العزيز بأنه كان قصاصاً إخبارياً ([65]).
ومن خلال ما تقدم، يمكننا القول ـ بناء على ما جاء في كتابه "أخبار الملوك" الوحيد الذي وصل إلينا ـ إن عبيد كان من أوائل المؤلفين في الأخبار وملوك العرب وأخبار الماضين، وإن أخباره في طليعة ما دون بناء على أوامر من الخليفة معاوية بن أبي سفيان ([66]). وأول من نقل المعلومات هو أحد تلامذة محمد بن هشام ([67])؛ وليس أدل على ذلك من أن كتابه هذا قد حصل على شهرة بعيدة، وطلب في كل مكان، وكثرت نسخه المختلفة ([68]). وإن اختلاف هذه النسخ لا يقلل من أهمية الكتاب، بل ربما يعود إلى النساخ والمهتمين الذين كانوا يضيفون معلومات عليه أو حذف بعضها.
ـ[مصعب الجهني]ــــــــ[30 - 10 - 08, 12:30 ص]ـ
آثار عبيد:
أورد ابن النديم كتابين فقط لعبيد بن شرية: الأول كتاب "الأمثال"؛ وهذا الكتاب ـ ويا للأسف! ـ لم يصل إلينا، ولعله لا يزال في خزائن المخطوطات التي لم تكتشف بعد، علماً بأن ابن النديم قد رأى هذا الكتاب في نحو خمسين ورقة ([69]). ولاشك في أنه كان يحوي من خلال الأمثال شيئاً من أخبار العرب في الجاهلية.
أما الكتاب الثاني في ما نحن بصدده، فهو كتاب "الملوك وأخبار الماضين"، طبع في حيدر آباد سنة 1347 هـ بعنوان "أخبار عبيد بن شرية"، وضم إلى كتاب "التيجان" لوهب بن منبه ([70]).
وأود التنويه هنا إلى أن هذا الكتاب يحمل عنواناً آخر وهو أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها، ولا يزال مخطوطاً في المتحف البريطاني ([71]).
ولدى المقارنة، تبين لنا أن المعلومات الموجودة في الاثنين متشابهة جداً، ولعلَّ هذا الاختلاف في اسم الكتاب جاء من بعض النساخ الذين رأوا أن المادة الأساسية لهذا الكتاب تتعلق بأخبار اليمن، فلا داعي ـ حسب رأيهم ـ أن يأتي العنوان مطلقاً، بل أرادوا تقييده حسب المعلومات الواردة فيه.
ويذكر حسين نصار أن عبيد نفسه لم يدونه ولا عنونه، بل دونه كتاب معاوية ونسبوه إليه دون عنوانه كما يبدو؛ ومن ثم اختلف النساخ في عنوانه ([72]).
أما من حيث المصادر والرواة الذين اعتمد عليهم عبيد، فلم يفصح عنها في كتابه إلا عرضاً في غالب الأحيان. ويأتي في طليعة هذه المصادر الإشارات القرآنية؛ فنلاحظ عبيد يستشهد بالآيات القرآنية، وذلك لإثبات قصصه، ومحاولة إضفاء الصفة الشرعية عليها ([73]). كما يعود إلى الآيات القرآنية لتفسير بعض الأحداث وتأييد أخباره ([74]).
كذلك استشهد بالآيات في الرد على المتندر به بالقرآن من خلال سؤاله عن قصة بلقيس ([75]).
¥