ويستشهد عبيد بالحديث الشريف، وذلك من باب إكساب أخباره صفة المصداقية ([76]). والتفسير الذي سمعه عن ابن عباس ([77]) ومن مصادر عبيد أيضاً الاستشهاد بالشعر وأخبار القصص الأخرى ([78]).
واستقى عبيد أيضاً معلوماته من كتب أهل الكتاب، أي من "التوراة" و"التلمود"، فكان كثير الاعتناء بكتب القصص اليهودية والنصرانية. وقد أصاب عبيد في أشياء وأخطأ في أشياء أخرى، قد تبدو لليهود من البديهيات. ونجد بين مروياته أقوالاً صادرة عن مصادر نصرانية بالإضافة إلى "الإنجيل"، ومرويات صادرة عن مصادر فارسية وسريانية ([79]). إلا أن ابن النديم ذكر أن عبيد روى عن الكيس النمري النسابة واللسين الجرهمي، وزيد بن الكيس وعبد وُدّ ([80]).
وأعتقد أن ابن النديم قد أخطأ في ذكر زيد هذا، إذ قيل إن الكيس لقبه، وزيد اسمه، وبذلك يكون الكيس وزيد اسمين لشخص واحد. وكذلك الكيس واللسين وهو أيضاً تصحيف للكسير، وهذا ما لم يفطن إليه من حقق كتاب "الفهرست". وعبد ودّ الجرهمي والكسير الجرهمي ([81]). وبذلك يكون من رواته اثنان من جرهم، والثالث من النمريين، وفيه قال حسان بن ثابت مفتخراً:
وعند الكيس النمري علم
ولو أمسى بمنخرق الشمال ([82])
ويلاحظ على روايات عبيد أنها لا تحفل بالإسناد. ويبدو أن عدم ذكره الإسناد مرده إلى أن ما جاء في كتاب "الملوك" هو مجموعة من الأقاصيص والأساطير، ولا مجال للإسناد في مثل هذه القصص ([83]).
هيكل معلوماته:
لا يجد الدارس لآثار عبيد بن شرية تسلسلاً تايخياً للأحداث التي أوردها في كتابه، ويمكن وضع الهيكل الذي بناه عبيد لمعلوماته على النحو التالي:
1 ? يبدأ الكتاب بالبسملة والحمد، ثم يأخذ في إسناد روايته:» حدثنا عبيد بن شرية الجرهمي عن البرقي يرفع الحديث أن معاوية ... «([84]).
2 ? يشتمل الكتاب مقدمة تتناول ولاية معاوية وولعه بالسمر وما كان استدعاء عبيد بن شرية من اليمن بإشارة من عمرو بن العاص الذي كان يعرف في معاوية شغفه بأخبار الماضين. وتذهب المقدمة بعدئذ للتعريف بشخصية عبيد وغزارة علمه الذي امتلك به قلب معاوية، كما تشير إلى تقدمه في العمر ([85]).
3 ? يتناول عبيد في كتابه تاريخ موطنه اليمن، بادئاً باجتماع البشر في بابل وافتراق ألسنة الناس، ثم تفرقهم شيعاً، وخروج بعض بني سام إلى اليمن. ثم يأخذ في سرد تاريخ هؤلاء اليمنيين مبتدئاً بما أرسل إليهم من أنبياء، وإن كان همه كله موجهاً لملوكهم وغزواتهم في بطون الأرض ([86]).
أ ـ تحدث عن قحطان باعتبار أنه أول من تكلم العربية. وفي هذا
الباب تحدث عن العرب البائدة مثل عاد وثمود وعمليق وطسم وجديس. وتحدث عن هذه الأقوام والأماكن التي أقاموا فيها ([87]).
ب ـ تحدث عن العبرانيين وقتل داود لجالوت ([88]).
ج ـ تحدث عن القبط ([89]).
4 ? قصص الأنبياء عليهم السلام.
أ ـ نوح عليه السلام وأولاده والأقوام التي تنسب إليهم ولغاتهم وأولاد نوح سام وحام ويافت ([90]).
ب ـ هود وصالح عليهما السلام: تحدث عن هود وبعثه لقبائل عاد.
ولما هلكوا، التحق هو ومن آمن به بمكة وبقوا فيها حتى ماتوا. وبعد أن هلكت عاد، عمّرت ثمود فبطروا وأفسدوا في الأرض، وبعث الله فيها صالحاً نبياً. وقد آمن به قليل من ثمود، وقد أهلك الله قومه فطلب من الذين آمنوا به أن يرحلوا إلى الحرم فوصلوا مكة وبقوا فيها حتى ماتوا ([91]).
ج ـ ويذكر إسماعيل عليه السلام ونشأته مع آل جرهم في مكة وزواجه من بنت ابن عمرو الجرهمي ([92]).
د ـ وينتقل عبيد إلى سليمان عليه السلام الذي تسلم الأمر بعد أبيه وعلاقته مع بلقيس وغزواته وحروبه ([93]).
5 ? أخبار الأمم: ذكر الأقوام البائدة، قوم عاد وقوم ثمود ([94]).
6 ? ذكر جرهم وخروجهم من اليمن إلى الحرم ([95]).
7 ? وينتهي الجزء الذي وصل إلينا بمقتل طسم وما قيل في ذلك من شعر.
وأول ما يلاحظ على الكتاب أنه ليس كتاباً تاريخياً بالمعنى المصطلح عليه، وإنما هو مجالس سمر تاريخية مدونة. ولذلك يغلب عليه ما يغلب على تلك المجالس من خصائص. فترى الأسلوب الحواري يشيع فيه، أي أن الكتاب اتخذ صورة الحوار بين معاوية وعبيد. قال معاوية: وما كان اللسان يومئذ؟
قال عبيد: سرياني أوله وآخره، وهو لسان نبينا آدم عليه السلام ونوح وإدريس ([96]).
قال معاوية: كيف اختصت أرض بابل باجتماع الناس فيها؟
¥