قال ابن زبالة المخزومي في كتابه الذي ألفه عام 199هـ فيما نقله عنه السمهودي في ذكره دار خالد بن الوليد: " هي بيد بني أيّوب بن سلمة " (وفاء الوفاء، ج 3، ص 59 ــ 6 - )
وقال ابن زبالة: " إن أيوب بن سلمة اختصم فيها هو وإسماعيل بن الوليد بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة، يقول أيوب: هي ميراث وأنا أرثها دونكم بالقعدد أي لأنه أقرب عصوبة، ويقول إسماعيل هي صدقة، أي فيدخل فيها القريب وان بعد فأعطيها أيوب ميراثا بالقعدد، انتهى " (وفاء الوفا ج 3 ص 60)
قلت: خبر ابن زبالة هذا يفيدنا بعدم انفراد المصعب الزبيري بشأن النزاع على الميراث بين ايوب بن سلمة وإسماعيل بن الوليد،
بل إنّنا نجد لمعاصرهما ابن شبّة مؤرّخ المدينة نصّا نفيسا عن دار خالد رضي الله عنه قال فيه:
" اتّخذ خالد بن الوليد بن المغيرةرضي الله عنه داره التي كانت بالبطيحاء وهي اليوم الدار التي بين دار
أسماء بنت حسين وبين الخطّ الذي في دار عمرو بن العاص وهي بايدي بني أيّوب بن سلمة من ولد المغيرة "
(تاريخ المدينة، ج 1، ص 243 ــ 244).
قلت: كلّ هذه النصوص تفيد الآتي:
1 - أن انقطاع ذرية خالد أمر متفق عليه بين نسابي قريش وعلمائها وهم:
أولاً: ابن زبالة توفي قبل سنة 200 وهو مولى لبني مخزوم ومولى القوم منهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم , وعالم بأخبار المدينة , وقد أخبرنا بتفاصيل الخصومة على الميراث التي حصلت بين يدي قاضي المدينة والتي تدل دلالة قاطعة على انتهاء الذرية , وأن هذا معلوم عند القاضي وعند أطراف النزاع.
ثانيًا: محمد بن الضحاك الحزامي القرشي توفي قرابة سنة 200 وهو علامة نسابة ومن الفقهاء الملازمين للإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة , وقد تناول القضية من زاوية أخرى فحدثنا عن اطلاعه على كيفية تفرد أيوب بميراث آخر شخص كان معروفا عند الناس أنه آخر ذرية خالد بن الوليد.
ثالثاً: مصعب الزبيري ونصه معروف.
رابعاً: الزبير بن بكار ونصه معروف, وهو الذي تتلمذ على نسابة بني مخزوم محمد بن مسلمة المخزومي.
فهؤلاء أربعة من أعلم الناس بأخبار قريش وأنسابها.
2 - أنّ خبر الميراث معلوم مشهور مذكور نقله غير واحد من أهل العلم ومن المحال أن يحكم قضاة المدينة الذين كانوا أيضا من قريش لأيّوب بن سلمة بالميراث مع وجود أي مستحقّ له من ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه.
3 - أنّ وجود الذريّة يعني بقاء الدار صدقة (أي وقف ذري) وهو ما كان يحتجّ به إسماعيل بن الوليد , فيما
احتجّ أيوب بأنّه يرثها بالقعدد لأنّ عهد الصدقة قد انتهى بانقراض الذرية , فلا صحة للقول بأن الورثة من
جهة النساء لهم حق , لأن الوقف كان على الموجود من الذرية وقفا لا يورث فلما انقرضت تحول إلى ميراث.
4 - أن إسماعيل بن الوليد بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة (خصم أيوب نيابة عن آل هشام بن الوليد أخي خالد بن الوليد) غير معترض على انقراض الذرية , وإنما يخاصم في أن الوقف يجب أن يستمر , وأيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد (جده الوليد بن الوليد أخو خالد) يقول بل تنتهي الوقفية وأرثها أنا بالقعدد , وقد حكم القاضي والقاعدة الشرعية أن حكم الحاكم يرفع الخلاف.
5 - أن هؤلاء النسابين لا يتكلمون عن عدم علم بالذرية كما يتوهم البعض , بل يتكلمون عن اطلاع تام على أدق تفاصيل القضية , فهم أولا شهود معاصرون , وعدد لم ينفرد أحد منهم , ويتكلمون من عدة جوانب
فواحد قد ضبط اليوم الذي انتهت فيه الذرية , والآخر يتكلم عن خصومة العصبة بعد الانقراض ويسجل لنا حكم القاضي , وهذه شهادات مفصلة مضبوطة متظافرة تفيد العلم اليقيني بالانقراض.
6 - أن أيوب بن سلمة كان حيا (كما في تاريخ الطبري) سنة 145هـ , وابن زبالة توفي قبل 200 هـ ومحمد بن الضحاك قرابة 200 شابا. فابن زبالة قد عاصر القضية , وابن الضحاك يرويها عن شيوخ قريش الذين شهدوها , وأبوه الضحاك بن عثمان علامة قريش ونسابتها , وهو وأبوه من شيوخ الزبير بن بكار.
7 - ثم جاء ابن قتيبة توفي سنة 276 هـ في كتاب المعارف فنقل القضية من جانب ثالث لم يرد ذكره عند هؤلاء , ألا وهو سبب تناقص الذرية حتي انقرضت فأخبر أن الطاعون قتل منهم أربعين رجلا فبادوا.
8 - ثم جاء المؤرخ العالم أبو عمر محمد بن يوسف الكندي المصري (ت350هـ):
((قد انقرض ولد خالد بن الوليد من كل موضع فلا يجب أن يسمع ممن انتمى إليه)).
كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (1/ 61 – 62).
ثم تتابع العلماء على نقل الإجماع على هذا الأمر وصاروا يردون به على من ينتسب خطأ من المتأخرين ,
فتبين أن مؤرخي قريش المعاصرين لفترة الانقراض لا خلاف بينهم على أن الذرية قد انقطعت , وأن العلماء ساروا على طريقهم , ونحن لا يسعنا إلا ما وسع علماء الإسلام والله تعالى أعلم.
¥