تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ب- الدليل الثاني: لأنَّ نبوغ غير العرب في اللُّغة العربيَّة منذ اعتناقهم الإسلام أمر غير جديد حتى يستغرب من طارق، وهو قد نشأ في بيت إسلامي عربي. فعندنا سلمان الفارسي الذي قضى شطر حياته في بلاد عجمية فلمَّا أسلم بعد ذلك تفتق لسانه بالعربيَّة إلى أن قال فيها الشعر، وبيته مضروب به المثل في الاعتزاز بالإسلام واعتباره هو نسبه الذي يفخر به، إذا افتخروا بقيس أو بتميم، لا يخفى على أحد. ونمثل ببربري آخر، غير طارق وهو عكرمة مولى ابن عباس الذي قال فيه الشَّعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة؛ ومقامه في العلم والرواية لا يجهل.

جـ- الدليل الثالث: لأنَّه ليس في الخطبة من صناعة البيان ما يمنع نسبتها لطارق، وبلاغتها في نظرنا إنَّما ترتكز أولاً وبالذات على معانيها، والمعاني ليست وقفًا على عربي ولا عجمي. نعم يمكن أن يكون وقع في هذه الخطبة بعض تصرُّف من الرُّواة بزيادة أو نقص، ونحن قد صَحَّحنا فيها بالفعل إحدى العبارات التي لم تكن واضحة الدلالة على معناها؛ ولكن هذا لا ينفي أصل الخطبة ولا يصح أن يكون حجة للتَّشكيك في نصها الكامل" [11] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftn11).

وخلاصة القول: يمكن ترجيح قول العلامة عبدالله كنون - رحمه الله؛ فهو عالم وفقيه، وله دراية بعلم الحديث والرجال، على عكس المؤرخ عبدالله عنان الذي يستند إلى آراء عقلية قابلة للأخذ والرد، ورحم الله يحيى بن معين إذ يقول: "وإذا كتبت فقمش، وإذا حَدَّثت ففتش" [12] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftn12)؛ كما أنَّ التَّدقيق في حياة الرَّجل نجد أنَّه كان على صلة بالعُروبة والإسلام منذ حداثته، فقد ذكر لهُ ابن عذاري أبوين في الإسلام (طارق بن زياد بن عبدالله) [13] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftn13)؛ كما أن والد طارق زياد أسلم منذ أيام عقبة بن نافع - رحمه الله؛ لذلكَ شَبَّ طارق في بيت مسلم، لقنه تعاليم الإسلام أبوه، وموسى بن نصير ... والله أعلم.

3 - مسألة حَرْق السُّفُن:

قصَّة حرق طارق بن زياد السُّفن الأجفان والمراكب قطعًا لأمل المجاهدين المَغَاربة في الهُرُوب والرُّجوع والفرار، وتحفيزًا لهم على المُوَاجهة والمُقَاتَلة ومُحَاربة العدو؛ قصَّة مُنتَشرة في كُتُب التاريخ الأوربي والتاريخ الأندلسي والغرب الإسلامي عامَّة، فما مدى صحَّة القصَّة؟ وما أهم الرِّوايات في هذا الباب؟

- إذ ترى الرِّوايات المثبتة للقصَّة أنَّه: "لَمَّا دانتْ بلاد المغرب لموسى بن نصير، وكان واليًا عليها من قبَل الوليد بن عبدالملك طمح بصرُه إلى فتح بلاد الأندلس، فبعثَ مولاه "طارق بن زياد" على جيش جُلُّه منَ البربر سنة 92هـ فعبر بهم البحر، ونمى خبره إلى "لذريق" ملك القوط، فأقْبَل لِمُحاربته بجيش جَرَّار وخاف طارق أن يستحوذَ الرُّعب على جنده لقِلتهم، فأحرق السفن التي أقلتهم حتى يقطع من قلوبهم كل أمل في العودة، وقام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثُمَّ حَثَّهم على الجهاد ورَغَّبهم في الشَّهادة فقال الخطبة المشهورة [14] ( http://www.alukah.net/articles/1/4776.aspx#_ftn14).

ونفس الشيء يُؤَكِّده الدكتور الباحث المعاصر د. سعد بو فلاقة، الأكاديمي الجزائري، في مقاله الرائق "خطبة طارق بن زياد بين الشَّك واليقين": لَئِن شكَّ بعض المؤرخينَ في الحادثة فإنَّ هذا الشك جاء أوَّلاً من بعض المُستشرقين الذين يشكّ في نواياهم، ونحن لا نشكّ في الحادثة، وإن شكَّ فيها بعض الناس؛ لأنَّ حرق السُّفن عملٌ جيّد منَ الناحية الإستراتيجيَّة، فهو بهذا العمل يكون قد قطع على الجيش كلَّ أمل في العودة إلى المغرب، وليدفع جنوده إلى الاستبسال في القتال والاستماتة في الاندفاع إلى الأمام، نجدها واردة في عدد منَ المصادر التاريخية للعصر الوسيط المغربي. هناك من يُؤَيد وقوع هذه الحادثة خصوصًا وأنَّ هناك رواياتٍ متشابهة وردت في كتب التاريخ وسيطيََّا وحديثًا تُشير إلى وقوع أحداثاً مماثلة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير