فلقد ساءني جداً ما رأيته من الكتب التي نزلت في السوق من تأليفكم -كما ساءت إخواننا من أهل العلم، وممن يعرفونكم على الخصوص كالشيخ خالد الأنصاري، والشيخ سعد السعدان وغيرهما من المحبين لكم والداعين لكم بالتوفيق والسداد- وذلك أنني تفحصتها وقرأتها قراءةً متأنية، ثم أعدت الكَّرةَ فوجدت الأمر عظيماً. رأيت تدليساً وتزويراً و ... أموراً لم أكن أحسب يوماً أنها تصدر منك، فاسترجعت، وراجعت الأمر كثيراً، فبدا لي أن أدرس الكتاب دراسةً علميةً وأكتب إليك بذلك رجاء أن تنتفع بذلك، وما كتابتي بذلك إليك إلا محبةً لك وتقديراً لسابقتك ومكانك في العلم، وحرصك على ذلك، إلا أنه ليس بمعصوم من الخطأ أحد غير محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ولذا كُلٌّ يؤخذ من قوله ويُرَّدُّ غيره، وتعلم أن زلة العالم لها أثر على عوام المسلمين. وأهل الفقه في الدين.
فأرجو أن تقع منك هذه الكتابة الموقع الذي أرجوه ويرجوه غيري.
واسمح لي في العبارات التي ستراها والعناوين التي تعلوها، فإن ذلك هو حقيقة هذا الكتاب الأول الذي قرأته ودرسته واستخرجت ما فيه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
«مدخل»
وقبل الدخول في تفاصيل هذا الكتاب أنبه على قضية منهجية كبرى بنيت عليها كتابك وقررتها في كتابك في الأصول «تيسير أصول الفقه»، وهي «حجية الإجماع».
فلقد قلت -بعد ذكرك لتعريف الاجماع ... ، واستحالة الإحاطة بآراء جميع المجتهدين-:
فالواقع يُحيل وقوع ذلك، وتاريخ هذه الأمة معلوم، ...
ثم نقلت قول الإمام أحمد: «ما يدعي الرجل فيه الاجماع هذا الكذبُ، من ادعى الإجماع فهو كذب، لعل الناس قد اختلفوا». (تيسير أصول الفقه 160 - 161).
ذكرت هذا في «الإجماع الصريح».
ثم ذكرت «الإجماع السكوتي»، وذكرت فيه تخصيص طائفة من الفقهاء هذا النوع من الإجماع بالصحابة دون من بعدهم ... وأحلت الكلام فيه إلى (مذهب الصحابي).
ثم قلت في خاتمته: فهذا الإجماع السكوتي ما هو في الحقيقة إلا رأي جماعة من الفقهاء محصورة بعدد يسير محدود، وما كان رأياً يُحكى عن العشرة والعشرين لا يصلح أن يكون ديناً يُحجر عن الأمة خلافه، ويكون حجة ملزمة للناس إلى يوم القيامة (164 - 166).
فأبطلت الاحتجاج به.
وفي (مذهب الصحابي):
قلتَ: خلاصة القول في «حجية مذهب الصحابي»: أعلاه قوة ما كان من قبيل «الإجماع السكوتي» وتبين في الإجماع أنه ليس بحجة، فما كان دونه من مذاهب الصحابة أولى أن لا يكون حجة ... (219).
وذكرت قولاً للشافعي وقولاً لأحمد بن حنبل وكلاهما ليسا مرادان في باب الإجماع كما زعمت، وإنما ذكرتها لئلا تخلي الباب من ذكرهما؛ بينما أصل الشافعي في الباب خلاف ما ذكرته، وكذلك أحمد، بل صرح أصحابهما بذلك كما سيأتي.
فأقول: لقد ارتكبت جرماً عظيماً، خطيراً على العلم والدين، وهو تبنيك إنكار «حجية الإجماع» -حسب تفسيرك السابق له- فخرجت بذلك عن «أصول» أهل السنة والجماعة، وتابعت أهل البدعة والضلالة، وذلك أن القائل بعدم «حجية الإجماع» مطلقاً هو النظّام المعتزلي والشيعة، وبعض الخوارج -كما سيأتي بيانه- فهؤلاء هم أئمتك في هذا الأصل العظيم الذي أجمع على «حجيته» أهل السنة والجماعة، ولم ينكره سوى هؤلاء الضلال.
وإن هذا النظّام -وهو منكر حجية الإجماع- هو الذي كان يسبُّ السلف وبخاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أقواله في ذلك -ولا غرو في ذلك أن ينكر حجية الإجماع، ومنه حجية إجماع الصحابة-.
فالنظّام هو الذي وقع في أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنه- متهماً إياه بالتناقض، ثم يقع في عمر الخليفة الثاني -رضي الله عنه- زاعماً أنه شك يوم الحديبية، وشك يوم وفاة النبي ×، بل رماه بأعظم من ذلك حيث عدَّه في النفر من المنافقين الذين أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم العقبة في غزوة تبوك، وأنه ضرب فاطمة -رضي الله عنها-، ومنعها الميراث، وغير ذلك، ثم وقع في عثمان الخليفة الثالث -رضي الله عنه- زاعماً أنه استأثر بالحمى، وغير ذلك، ثم تنقص عليّا الخليفة الرابع -رضي الله عنه- لماّ قضى برأيه، وقال: من هو حتى يقضي برأيه ().
وأرى من المهم أن أذكر لك نصوص الأئمة الأربعة في «حجية الإجماع» وخصوصاً إجماع الصحابة -رضوان الله عليهم-.
«الإجماع»
¥