التدليس، والتزوير في كثير من مباحث الكتاب، بحيث لا تُذكر المسائل والإشكالات على وجهها الصحيح وإنما تذكر على الوجه الذي تريد إثباته.
والآن أبين لك ما تقدم ذكره مجملاً.
1 - الخلل في التأصيل:
أ- النص على عدم الاحتجاج بمذاهب الصحابة -رضوان الله عليهم- حتى وإن كان إجماعاً منهم، وكذا من بعدهم من الأئمة من التابعين، وكذا الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الدين:
قلتَ -بعد أن ذكرت الاعتماد على الأدلة الشرعية، وأنها هي الكتاب والسنة فقط-:
كما زدت الاستئناس بالآثار المروية عن علماء السلف، من الصحابة، والتابعين، ثم عن فقهاء الأمة بعدهم، كالفقهاء الأربعة وأتباعهم، وغيرهم من علماء الملة والدين ... (11 - 12).
وأعظم من هذا -وهو الاستئناس- ما كتبته يداك بقولك:
وأما ما سقت في الباب السابق -بعد الأحاديث- من الأثر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، فليس ذلك لكون المنقول عنهم مما يكون موضعاً للحجة في الدين، فإن مذهب الصحابي في التحقيق ليس بحجة، وإنما ذكرت تلك المذاهب محرراً لها لما يقع من الحاجة، للاستشهاد بها في تفسير دلالات نصوص الكتاب والسنة.
قلت: ووضعت هامش على قولك (ليس بحجة): وقلت: انظر (115) كتابي «تيسير علم أصول الفقه» (ص: 197 - 202).
أقول: وهناك الطامة الكبرى، وذلك أنك خلصت إلى نتيجة بحثك وتحريرك، فقلتَ: خلاصة القول في حجية مذهب الصحابي: أعلاه قوة ما كان من قبيل (الإجماع السكوتي)، وتبين في الإجماع أنه ليس بحجة، فما كان دونه من مذاهب الصحابة أولى أن لا يكون حجة ... (219).
قلت: فأنت أسقطت الاحتجاج «بمذهب الصحابي» والذي أعلاه قوة «الإجماع السكوتي». وهنا خالفت أئمة المسلمين في هذا الأصل الثالث من أصول الاستدلال عند أهل العلم، وكما تقدم من ذكر أقوال الأئمة الأربعة في الاحتجاج بمذهب الصحابي وتقسيمهم له في طبقات الاحتجاج.
2 - الخلل في المسائل العلمية والتناقضات الظاهرية:
أ- التناقضات الظاهرة في الكتاب:
1 - التدليس:
ومثل هذا في الكتاب غير قليل، وهو أنواع:
أ- إظهارك المسألة للقاري أن ليس فيها دليل أو حجة بينما الواقع أن فيها دليلاً أو حجة، ومن ذلك:
1 - أنه لم يرد في القرآن ما يخص اللحية بشيء:
كما قلت: فهي لم ترد في كتاب الله تعالى، وإنما جاء ذكرها في السنة، ... (151).
قلتُ: قوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ" [الحج: 29].
والتفث: هو الرمي، والذبح، والحلق، والتقصير، والأخذ من الشارب والأظفار، واللحية.
قاله ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره، كما هو مذكور في كتب التفسير، وكما نقلته في كتابك هذا (136، 139، 145، 147). بل هو اتفاق بينهم في معنى «التفث» الوارد في القرآن ()، ولكنك لم تعتبر ذلك ... وقد قررت هذا النوع من التفسير في كتابك المقدمات الأساسية في علوم القرآن وأن مثله في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (في القسم الثاني من ثالثاً: تفسير القرآن بآثار الصحابة ص 305).
فما صنعته هنا يناقضه ما قررته في كتابك في «علوم القرآن» -السابق ذكره- فماذا تريد اعتماد ما هنا أو ما هناك.
وما صنعته هنا تدليس وإخفاء للحقائق. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
2 - أنه لم يرد في السنة من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في حلق اللحية سوى الثلاثة التي ذكرتها: (308).
قلتَ: وحاصل التحقيق المتقدم أن الأحاديث المروية في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت منها إلا ثلاثة أحاديث، وهي: حديث عبدالله بن عمر، وأبي هريرة، وأبي أمامة ... (74 - 77).
قلتُ: هكذا أثبت -وكررت الإثبات كثيراً (162، 163، ... ) - لكي تقرر أن هذه الأحاديث الثلاثة مرتبطة بالعلة -التي تحتج بها كثيراً- وهي مخالفة أهل الكتاب، فيدور الحكم مع العلة -كما تريد-.
بينما الواقع أنه يوجد حديث صحيح مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم-حكماً- لم تذكره في الأحاديث التي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الباب، وهو حديث جابر -رضي الله عنه-، لكونه ليس فيه العلة الواردة في الأحاديث الثلاثة السابقة وهي علة مخالفة أهل الكتاب، فلذا أبعدت هذا الحديث من الأحاديث المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجعلته في باب الآثار عن الصحابة -رضوان الله عليهم- (295، 296)!!! فهنا خيانة للأمانة في إثبات ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب.
¥