وبهذا الحديث الصحيح يتضح أن العلة في التحريم ليست هي المخالفة -كما زعمت مراراً وتكراراً-. وسبحان الله العظيم.
هنا سلكت سبيل التدليس وإخفاء الحقائق.
وحديث جابر -رضي الله عنه- هو:
«كنا نعفي السبال، إلا في حج أو عمرة».
وفي لفظ: «كنا نؤمر أن نوفي السبال ونأخذ من الشوارب».
وفي لفظ: «لا نأخذ من طولها إلا في حج أو عمرة».
قلت: فحديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- هذا ينقض كتابك من أساسه.
ولذا فلك مع هذا الحديث مواقف فيها من التدليس وإخفاء الحقائق والتزوير مما سأبين لك أهمها:
1 - أخفيت هذا الحديث من الذكر في الأحاديث الصحيحة التي احتججت بها في حكم اللحية -كما تقدم ذكر ذلك-.
2 - ذكرت هذا الحديث في قسم الآثار عن الصحابة -مع أنه في حكم المرفوع- لئلا تخلي الكتاب من ذكر هذا الحديث فيُستدرك عليك - مع أنه لا علاقة له في قسم الآثار عن الصحابة.
3 - عند ما ذكرت هذا الحديث في قسم الآثار عن الصحابة وأردت الكلام على فقهه لم تستطع الكلام على بيان لفظة «كنا» لأن مرادها واضح أنها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا خلاف تصرفك في إيرادك للحديث في الصحابة وعدم إيرادك له في المرفوعات عن النبي صلى الله عليه وسلم، لذا لماّ قلت: -بعد حكمك على الحديث بالصحة ... -:
وهل له حكم الرفع؟ سيأتي بيانه في (الباب الثاني) أ. هـ. (128 - 129).
هكذا كان جوابك أنك أحلت على (الباب الثاني)!!! لتتخلص من هذه العقبة!! ولكن هل فعلاً أجبت على سؤالك؟ الواقع أنه لا يوجد في (الباب الثاني) شيء مما ذكرته، وتفسير لما أردت بيانه ولهذا لم تشر للصفحة التي ذكرت فيها البيان كعادتك، لئلا تكشف.
إلا أنك في ص: 295 ذكرت هذا الحديث حكاية مع الأقوال الأخرى، وذكرت هامشاً قلت فيه: تقدم تحقيق صحة هذا الخبر في الفصل الخامس من الباب الأول. اهـ.
وهكذا أحلت من هناك إلى هنا، ومن هنا إلى هناك!!!
ولم تُجْب عن السؤال الذي طرحته أنت هناك بقولك (وهل له حكم الرفع؟)، وأما الجواب فهو واضح فإنه لا يخفى عليك أن قول جابر -رضي الله عنه- «كنا» في حكم الرفع كما قال الحافظ ابن حجر في «النزهة»: «قول الصحابي: كنا نفعل كذا، فله حكم المرفوع» (النزهة 138).
ب- إظهارك للمسألة أن فيها اختلافاً بينما الواقع إنها إجماع، ومن ذلك:
1 - الأخذ من اللحية في النسك عن الصحابة -رضوان الله عليهم-: ذكرت من أُثر عنهم أخذ اللحية في النسك فأثبت أن في المسألة خلافاً -أي يجوز الأخذ منها في غير النسك، وكذا الأخذ المطلق من غير تحديد بما زاد على القبضة- فقلت: وأما الأخذ منها في غير نسك ففيه مجيء الرواية مطلقةً: عن أبي هريرة أنه كان يأخذ من لحيته وبمعناه ما روي عن الحسن البصري: أنهم كانوا يرخصون في الأخذ منها. (139)، وينظر: (229، 294، 295).
قلتُ: وهذا الكلام منك غير صحيح لأن ما استدللت به من أثر أبي هريرة والحسن البصري لا يصح فكلاهما ضعيفان ولا حجة فيهما.
وعلى منهجك لا تدخل في الاستدلال!
فكيف أثبت الخلاف هنا بأمر ليس له أصل. بينما الأصل هو الإجماع عنهم أنهم لا يأخذون لحاهم -فيما زاد على القبضة- إلا في حج أو عمرة.
قلت: وأما كون الأثرين ضعيفين فسيأتي بيانه.
قلت: وأيضاً لو صح الأثران كما زعمت فهما مطلقان كما قررته فلماذا لم تحمل المطلق على المقيد كما هي عادتك في التأصيل (ينظر: ص191). إلا أنك هنا لم ترد ذلك.
وحتى تجرأت وقلت: كراهة الأخذ منها لم تؤثر عن الصحابة، بل المأثور عن الصحابة الأخذ منها، وكذلك جمهور التابعين) (305)، وقولك: (وفعل الصحابة ... ) و308.
2 - الأخذ من اللحية في النسك عن التابعين -رحمة الله عليهم-:
ذكرت من أُثر عنهم أخذ اللحية في النسك، وهذا في الواقع إجماع منهم بأسانيد صحيحة متواترة.
ولكنك لم ترد ذلك، فأثبت أن في المسألة خلافاً، فقلتَ: بعد أن ذكرت القسم الأول-:
(2) إباحتهم الأخذ من اللحية من غير حدِّ ولا توقيت كما جاءت به الرواية إفتاءً من مذهب الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وكما جاء عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وطاوس بن كيسان اليماني من فِعْلهما (ص: 147)، وينظر: 229، 295).
قلت: وهذا الكلام منك غير صحيح لأن ما استدللت به من الآثار عن هؤلاء كلها غير صحيحة. عدا القاسم وحده.
وعلى منهجك لا تدخل في الاستدلال لضعفها.
¥