الذمة لغة هي: العهد، ودليل ذلك قوله تعالى: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} [سورة التوبة: 10]، والإل بمعنى القرابة والذمة بمعنى العهد؛ لأن الأصل أن الإنسان يحتمي بأمرين إما بالقرابة، وإما بالعهد قال تعالى: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [سورة الإسراء: 34]. وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة بن الحصيب: ((إذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن أجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله)) وعلى هذا فالذمة معناها: العهد.
ولكن ما معنى الذمة هنا هل هي العهد السابق؟
نقول: لا، بينهما فرق، العهد السابق هو الهدنة، فنعاهد الكفار، وهم في أرضهم مستقلون عن المسلمين ليس لنا من شأنهم شيء إلا وضع القتال، أما هؤلاء فإنهم يقرون على كفرهم في بلادهم بشرط إعطاء الجزية والتزام أحكام الملة.
92 - ص (62):
قوله: " لا يعقد لغير المجوس وأهل الكتابين ومن تبعهم " ....
وأما عقده لأهل الكتاب، فهو ثابت هذا في القرآن الكريم قال تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [سورة التوبة: 29] ((حتى)) غائية لا تعليلية، والفرق بينهما: إذا كانت بمعنى إلى فهي غائية، وإذا كانت بمعنى اللام فهي تعليلية فمثال التعليلية قوله تعالى: {لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا} [سورة المنافقون: 7]، أما قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ}، فالمعنى إلى أن يعطوا، إذاً فهي غائية. . .
93 - ص (77):
وقوله: " دون ما يعتقدون حله " مثل الخمر. فالخمر يعتقد أهل الكتاب أنه حلال، فإذا جيء إلينا بسكران من أهل الذمة فإننا لا نقيم عليه حد الخمر حتى وإن قلنا إن عقوبة شارب الخمر حد؛ لأنه يعتقد حله، والذي يعتقد حل الشيء كيف يعاقب عليه؟ لكن سيأتي أنهم يمنعون من إظهار شرب الخمر، فإن أظهروا ذلك فإننا نعزرهم بما يردعهم، ويؤخذ من هذا الحكم الذي أقره الفقهاء رحمهم الله: أن من اعتقد حل شيء مختلف فيه وإن كان كافراً فإنه لا يلزم بحكم من يرى تحريمه، وإذا كان هذا في حق الكفار ففي حق المسلمين من باب أولى فيما ذهبوا إليه بتأويل سائغ، مثل: الدخان، فالدخان ليس مجمعاً على تحريمه، فمن العلماء من خالف فيه لا سيما أول ما ظهر، فإذا رأينا شخصاً يشرب الدخان وهو يرى أنه حلال فإننا لا نعزره؛ وإن كان يعتقد أنه حرام فإننا نعزره؛ لأن التعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
وهل نقره؟ بمعنى هل يجوز أن أجلس إلى جنب واحد يدخن ويعتقد حل الدخان؟
الجواب: لا.
ولو رأيت أحداً أكل إبل ولم يتوضأ وقام يصلي وهو لا يرى وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل هل تنكر عليه؟
الجواب: لا، وهل تصلي معه؟
الجواب: نعم، وهذا إقرار وليس بإنكار.
إذاً ما الفرق بين ترك الواجب وفعل المحرم؟
الجواب: لا فرق، لكن ينبغي لذوي المروءة أن لا يجلسوا مع الذين يشربون الدخان ولو كانوا يعتقدون حله؛ لأن هذا دناءة وفي ظني أن الذين يعتقدون حله من العلماء لا يرون أنه من فعل ذوي المروءة، كما أننا مثلاً نرى أن أكل الفصفص لا بأس به، لكن لو أتى معلم يعلم الطلبة وعنده كيس فصفص يأخذ منه ويأكل فهذا يعتبر مخالفاً للمروءة وإن كان ليس حراماً لكن الإنسان يجب أم يكون عنده أدب أما من عاند كإنسان مسلم يأكل الخنزير، ويقول: أنا أعتقد أنه حلال فلا نقره؛ لأنه مجمع عليه، ولا يمكن لأي إنسان أن يحلل لحم الخنزير بأي مسوغ، ففرق بين هذا وهذا.
94 - ص (82):
¥