حديث عائشة -رضي الله عنها- واضح في أنه -عليه الصلاة والسلام- أصبح صائما في حالتين وهذا واضح من رواية مسلم المطولة، فمرة أصبح صائما، ومرة أصبح مفطرا، فقال مرة: , عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: فإني إذن صائم -.
فجاء يسأل عن الطعام -عليه الصلاة والسلام فلم يجد في بيته عليه الصلاة والسلام- شيئاً، وهذا ربما عرض له أحيانا، فربما لم يجد في بيته شيئا -عليه الصلاة والسلام-، كما في الخبر المشهور أنه ربما مر الشهر والشهران، ولم توقد في بيته -عليه الصلاة والسلام- النار من قلة الطعام.
وفي هذا الحديث أنه لم يجد شيئا، فقال: , إني إذن صائم - هذا إذن هنا للاستقبال، يعني إنشاء النية. فهو واضح أنه نوى الصوم من النهار، وهذا يشمل أول النهار، وآخر النهار، ولو بعد الزوال، ولو بعد العصر.
والصحيح أنه يصح صوم النفل، إذا لم تقارب نيته غروب الشمس، فيجوز، ولو لم يصم إلا لحظات، ولو إنسان أصبح لم يأكل شيئا من الطعام، ولا نوى الصوم، ثم نوى قبل غروب الشمس بعشر دقائق، أو خمس دقائق، فإنه يصح صومه، لكن هل أجره يكون من أول النهار؟ أو من نيته؟.
موضع خلاف، بعضهم قال: تنسحب النية على أول النهار، وقيل: إنه لا تكون إلا من حين النية، وهذا أقرب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال , إنما الأعمال بالنيات - فمن رحمة الله U أنه سهل في أمر التطوع، فصح الصوم فيه من النهار فهو صائم من أول النهار إلى آخره، لكن الأجر بحسب نيته، وأنه من ذلك الوقت، من وسط النهار، يكون من وسط النهار، من آخر النهار، من آخر النهار، وهكذا.
وهذه قاعدة الشرع، في التطوعات تكون أخف وأيسر من الواجبات، فأنت ترى أن الصلاة النافلة، تجوز قائما، بل يجوز مضطجعا، كما صح في ذلك الخبر.
وهكذا صدقة التطوع، صدقة التطوع لا يشترط فيها ما يشترط في الزكاة، وهكذا الصوم، صوم التطوع أيضا مثله، فهو مخفف، فتجزئ النية فيه، ولو كان بعد طلوع الفجر.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[25 - 08 - 06, 06:26 م]ـ
658 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا, أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {لَا يَزَالُ اَلنَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا اَلْفِطْرَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ().
659 - وَلِلتِّرْمِذِيِّ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {قَالَ اَللَّهُ U أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا} ().
حديث سهل بن سعد: , لا يزال الناس بخير - هذا في الصحيحين، وعند أحمد زيادة , وأخروا السحور - وعند أبي داود: , لا يزال هذا الدين قائما، ما لم يؤخر الفطر، حتى تشتبك النجوم -.
حديث أبي هريرة الذي بعده: , أحب عبادي إليّ أعجلهم فطرا - في سنده ضعف؛ لأنه من طريق قرة بن عبد الرحمن حيوئيل المعافري، وله مناكير.
لكن هذا الخبر شواهده كثيرة، ومنها حديث ابن عباس عند أبي داود الطيالسي، أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: , إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا، وأن نؤخر سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا - فدل على أنه تعجيل الفطور وتأخير السحور مستحب.
وثبت في صحيح مسلم، من حديث عائشة، أنها قيل لها في رجلين من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-: رجل يعجل الفطر، ويعجل الصلاة، ورجل يؤخر الفطر، ويؤخر الصلاة، قالت: من الذي يعجل الفطر، ويعجل الصلاة؟ قالوا: عبد الله بن مسعود، قالت: هكذا كان يفعل -عليه الصلاة والسلام-.
فالسنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور، ولم يكن بين سحوره -عليه الصلاة والسلام- ودخوله في الصلاة إلا نحو خمسين آية كما في الخبر في الصحيحين، عن زيد بن ثابت، حينما سأل أنس بن مالك رضي الله عنه فهذا هو السنة.
فيعجل الفطر، ولو أكل شيئا يسيرا، ثم بعد ذلك يذهب إلى الصلاة، يأخذ بقدر ما يسد جوعته ونهمته، ويؤخر السحور.
وفي حديث عمرو بن العاص عند مسلم أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: , فصل ما بين صيامنا، وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر - يعني: وجبة السحور، وقال -عليه الصلاة والسلام-: , لا تدعوا السحور، ولو أن يتجرع أحدكم جرعة من ماء - عند أحمد.
وجاء في أخبار عدة، منها حديث العرباض بن سارية، أن السحور هو الغذاء المبارك، أو الغداء المبارك، ففيه بركة.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[25 - 08 - 06, 06:34 م]ـ
660 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم {تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي اَلسَّحُورِ بَرَكَةً} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
هذا هو معنى ما سبق أن في السحور بركة، وهو الغذاء المبارك، , تسحروا، فإن في السحور بركة - السَحور بالفتح: هو ما يتسحر به، وبالضم: هو المصدر، يعني الفعل، نفس الفعل، يقال له السُحور، السَحور بالفتح هو نفس الأكل، نفس الطعام، والحديث قيل: إنه السَحور أو السُحور، لكن المراد -والله أعلم- نفس الطعام، فتجتمع البركة بالفعل، وبنفس المأكول.
نفس الفعل، وهو نفس الرفع، ونفس الأخذ، ونفس الأكل المأخوذ، يعني: الأخذ والمأخوذ، الأخذ: هو السحور، والمأخوذ: هو السحور، وهو الأكل، , تسحروا، فإن في السحور بركة -.
فهو يقوي البدن، ويكون عونا على الصيام، وهو الذي ثبت بسنته الفعلية، وبسنته القولية -عليه الصلاة والسلام-، فلا يدعه، ولو بشيء يسير.
¥