فالرسول -عليه الصلاة والسلام- لما جاءه هذا الراجل تائبًا نادمًا لم يعنفه، وهذا يبين أن مثل هذه الأمور أن من جاء تائبًا نادمًا فإنه يعلم ولا يعنف، أما من علم حاله التعمد والمجاهرة ولم يتب ولم يترك هذه الأمور فهذا ذكَرَ أهل العلم أن في مثل هذه الأمور والمعاصي في جنسها التعزير.
وقال بعضهم: إن ما كان فيه الكفارة فتكفي فيه الكفارة، أما من المعاصي ما ليس فيه كفارة فهو الذي تجب فيه العقوبة إما بالحد أو بالتعزير الذي جاءت به الشريعة.
وفي هذا الخبر جاءت الكفارة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- بين له ذلك، وقال: "هل تجد ما تعتق؟ " فالواجب عتق رقبة إن وجدها أو وجد قيمتها فاضلا عن حاجته.
فقال ويروى أنه ضرب على صفحة عنقه، فقال: (والله ما أجدها)، وأنه جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يضرب وجهه وينتف شعره لبيان حاله؛ أنه وقع في ذلك الأمر، وأنه أهلك نفسه بهذا الذنب.
وفي هذا أنه لا بأس أن العبد يقول هذه الكلمات، إذا وقع في مثل هذه الأمور ينبغي أن يقول "إني ظلمت نفسي " أو ما أشبه ذلك إذا وقع في معصية، من باب ذل النفس وهضمها في الوقوع في مثل هذه الأمور؛ ولهذا لم ينكر عليه - -عليه الصلاة والسلام- فقال: , تجد عتق رقبة؟ قال: لا، قال: صم شهرين متتابعين، قال: وهل وقعت فيما وقعت إلا من الصوم -؛ لأنه قال: لا يستطيع الصوم، لشدة شغفه بالنساء فلا يستطيع، ووكله إلى ظاهر الحال -عليه الصلاة والسلام- فقال: , هل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟ فقال: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا يا رسول -.
وفي لفظ قال: , بتنا وحشيين - يعني ليس عندنا طعام ولا شراب، بينما هو كذلك , فأتي بعرق -عليه الصلاة والسلام -العرق: هو المكتل أو القفة التي يكون فيها الزبيب- فقال: اذهب فأطعم أهلك -.
فأمره صلى الله عليه وسلم أن يطعم أهله واختلف في مقدار هذا الزبيب، يعني مقدار خمسة عشر صاعا أو ثلاثين صاعا.
والأقرب أن الكفارة نصف صاع، نصف صاع لكل مسكين فيكون الجميع ثلاثين صاعا، كل مسكين له نصفه صاع، فإن شاء أطعمهم، وإن شاء أعطاهم البر والأرز أو غيره من القوت، وإن شاء جمع هؤلاء المساكين، جمع الستين في يوم واحد أو عدة أيام في بيته أوفي مكان آخر وأطعمهم، أطعم ستين مسكينًا.
فهذا هو الواجب، وهذه هي كفارة من وَاقَعَ أهله في نهار رمضان، وهي ككفارة الظهار سواء بسواء, وهي مرتبة على الصحيح، وهو قول الجمهور، وهو ما دل عليه هذا الخبر، أنه رتبها: عتق رقبة، فإن لم يجدها فصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فليطعم ستين مسكينًا.
وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- ذكرت غير مرتبة، وهو ما دل عليه هذا الخبر، ورواه أكثر الرواة مرتبًا، والواجب الكفارة على ما جاء في هذا الخبر.
وفي هذا الخبر دلالة على أنه إذا لم يستطع الكفارة أنها تسقط عنه؛ لهذا لم يأمره -عليه الصلاة والسلام- بقضاء كفارة، قال: اذهب فأطعمه أهلك،.
والإنسان ليس مصرفًا لكفارته، فلو كانت واجبة عليه -يعني إذا كانت باقية- لأخبره بذلك؛ ولأن أهله ليسوا العدد الواجب في الكفارة.
وقال بعضهم: إنها باقية وإنه أعطاه لحاجته، وقال آخرون: إن الكفارة إذا كانت من الإمام ولم يستطعها المكلف فيجوز أن يكون مصرفًا لها، وتكون كفارة له، وصرفت إليه وتجزي عن كفارته، وهذا موافق في المعنى لمن قال بالسقوط، لكنه تأويل لأمر الكفارة حتى يوافق الخبر، تأويل لأمر الكفارة حتى تكون موافقة للخبر المنقول من جهة أنه صرف الكفارة إليه - عليه الصلاة والسلام.
فالأظهر أن كفارة المواقعة في نهار رمضان إن لم يستطعها تسقط، هذا هو الصواب والأصل في الكفارات أنها باقية في الذمة، هذا الأصل، إذا لم يستطعها تبقى في ذمته حتى يستطيعها إلا هذه الكفارة؛ لهذا النص.
وقيل: إن الجميع -لما سبق- يسقط عند العجز عنها، كما أنها تسقط كفارة رمضان إلحاقا لهذه الكفارة في رمضان.
والأظهر -مثل ما سبق- أن الأصل وجوب الكفارة فإن كان واجدًا لها أخرجها وإلا تبقى في ذمته، إلا كفارة رمضان فتسقط كما دل عليه هذا الخبر.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[01 - 09 - 06, 04:10 م]ـ
¥