682 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم {مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اَللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اَللَّهُ بِذَلِكَ اَلْيَوْمِ عَنْ وَجْهِهِ اَلنَّارَ سَبْعِينَ خَرِيفًا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وهذا متفق عليه واللفظ لمسلم، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند النسائي، وفي لفظ عن عقبة بن عامر عند النسائي وغيره أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: (من صام يوما في سبيل الله عز وجل باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام)
وفي هذا أنه قال: "سبعون خريفًا" والخريف: العام؛ لأنه أطلق الخريف مثلما يطلق الصيف والشتاء.
فالخريف مرة في السنة، فإذا قيل: خريف: يعني أنه عام، والخريف ذكر بعضهم أنه ذكرها؛ لأنه يكون فيه اختراف الثمار؛ لأن خريف (فعيل) بمعنى (مفعول) خريف بمعنى مخترَف، فهو تخترف فيه الثمار وتقطف فيه الثمار، فذُكر هذا المعنى -والله اعلم- من جهة أنه إذا صام هذا اليوم في سبيل الله وفي شدة الحر. وفي الغالب أن القتال في سبيل الله يكون مع السفر فيُجازى بأن يكون جزاؤه الجنة وثمار الجنة.
واختلف في قوله في سبيل الله: هل المراد في طاعة الله، أو في سبيل الله: في الجهاد في سبيل الله؟.
قيل: في سبيل الله: يعني في طاعة الله، فعلى هذا يشمل كل من صام، سواء أكان في القتال في سبيل الله أو غير ذلك، وقيل: إن في سبيل الله على بابه، وهذا هو القاعدة: أنه إذا جاء في سبيل الله في النصوص فإنه يقال: المراد القتال في سبيل الله، إلا إذا جاء ما يبينه ويوضحه.
فقوله: "في سبيل الله" يعني في القتال، وهذا الخبر لو ذكره المصنف -رحمه الله- عند الصوم في السفر ربما كان متوجهًا وكان أحسن، من جهة أن القتال في سبيل الله غالبًا يكون عن سفر وعن خروج، وإن كان يكون في البلد.
وقد يقال: إن الصوم في القتال ربما حصل به شدة، مع أنه ربما كان الفطر في السفر أفضل لكن كان الصوم في هذه الحالة أفضل من جهة أن القتال في سبيل الله من أفضل العبادات، والصوم أيضًا عبادة فيها كف النفس عن شهواتها؛ فلهذا شرع له أن يجمع بين العبادتين: عبادة الصوم وعبادة القتال في سبيل الله، إذا كان لا يشق عليه.
فمن جمع بين هذه العبادات: القتال في سبيل الله، وإقامة ذكر الله فهو بأعلى المنازل وأفضل الأعمال ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل عبادي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه) - يعني الذي يقاتل في سبيل الله وهو يذكر الله - يبين أنه كونه يُقرَن مع الجهاد في سبيل الله عبادة أخرى فهذه العبادة لها فضلها وشرفها
فذكْر الله مع القتال في سبيل الله وذكَر هذا الصوم مع القتال في سبيل الله، هو من باب الجمع بين العبادات إذا كان لا يكون سبباً في التفريط فيما هو الأساس والمهم.
أما إذا ترتب عليه تفريط أو ضعف فالسنّة هي الفطر؛ ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: , إنكم مصبحوا العدو، وإن الفطر أقوى لكم - فصام قوم، ثم عزم عليهم -عليه الصلاة والسلام - وأخبرهم أن الفطر أولى وأتم.
ولهذا جنح جمع من أهل العلم أنهم لو قاتلوا العدو في البلد وكانوا يضعفون على القتال وهم صائمون في شهر رمضان فالسنة لهم الفطر، حتى يتقووا ولو كانوا مقيمين؛ لأن هذا فيه من المصالح العظيمة في الدفاع عن دين الله، ونصرة دين الله وهو معلوم وظاهر.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[03 - 09 - 06, 06:10 م]ـ
683 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: {كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ, وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ, وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم اِسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ, وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وهذا الخبر سبقت الإشارة في شيء منه، وهو صوم شعبان وهو -عليه الصلاة والسلام- كان يصوم شعبان إلا قليلاً، وفي لفظ كان يصومه كله.
والمعروف أنه -عليه الصلاة والسلام- ما جاء عن عائشة أنه لم يكن يستكمل شهرًا قط. قالت: , ما استكمل شهرًا قط إلا رمضان - وهذا يوضح الأخبار التي جاءت أنه يصومه كله، أو أنه يصله برمضان كما في حديث أم سلمة عند أبي داود والنسائي (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل شعبان برمضان) فيصوم ما تيسر ويترك ما تيسر.
وجاء في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: (أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم) وقيل: إنه أفضل. وجنح بعض أهل العلم أن صوم المحرم من باب النفل المطلق، وصوم شعبان من باب النفل المقيد، كالراتبة لرمضان، فهو أفضل من جهة خصوصه في رمضان، وأنه قبل رمضان، فهو كالنافلة قبلها، التي تؤدى ويكون فيه استعداد لتلك العبادة وتهيئ لها، وصوم المحرم صوم كالنفل المطلق.
والقاعدة: أن النفل المقيد من الرواتب وغيرها أفضل من النفل المطلق. والأظهر هو ما دل عليه الخبر من حديث أبي هريرة أن (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم) هذا هو الصواب؛ ولهذا كان الصواب في الصلاة قيام الليل , وأفضل القيام بعد الصلاة المكتوبة قيام الليل - وإن كان خلاف قول الجمهور.
ويقولون: إن الرواتب أفضل، فهذا الخبر يدل على أن قيام الليل أفضل من الرواتب، كذلك صيام شهر الله المحرم أفضل الصيام وكان -عليه الصلاة والسلام- يصوم هذا الشهر، وربما دل الناس على أمر ولم يتهيأ له ولم يتيسر له ففعله في وقت آخر. ربما كان هذا أفضل في حقه، ومن تيسر له الجمع بينهما كان أكمل وأولى.
فهذا الخبر فيه -كما سبق- لا بأس أن يصوم شعبان، ولو استمر حتى يصل رمضان، وأنه مستثنى من النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين، قال: (إلا رجلا كان يصوم صومًا فليصمه).
¥