واختلف أيضًا في ثبوته وصحته وفي ألفاظه، وألفاظه غالبها دلت عليها السنة، إلا أن في بعضها خلاف، أما مسألة المعتكف: هل زيارته للمريض، وشهوده للجنازة؟ الأظهر أن المعتكف ينشغل باعتكافه، ولا يزور مريضًا، ولا يتبع جنازة إلا في حال الضرورة، مثل: أن يكون هذا المريض له صلة به، ويحتاج إلى أن يزوره، وهو الذي يقوم عليه، ويقوم على أمره. فلا بأس أن يخرج، بل ربما تعين عليه، إذا لم يتيسر أن يخرج له إلا هو.
وكذلك الجنازة إذا كان لا يعتني بها إلا هو، ولم يكن أحد يقوم عليها غيره فلا بأس، بل يخرج، وقد يكون خروجه متأكدًا أو واجبًا، أما المباشرة فهي كذلك، فلا يجوز للمعتكف أن يواقع أهله؛ لقوله-سبحانه وتعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)
والأظهر أيضًا أن عموم هذا النص، يشمل جميع أنواع المباشرة: من وقاع، ومن مس بشهوة، أما إذا كان بغير ذلك: مؤانسة أو حديث، فلا بأس، فكان -عليه الصلاة والسلام- يتحدث مع صفية، وربما تحدث معها وقتا طويلا حتى يقلبها إلى أهلها،
أما قول: (لا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) فهاتان اللفظتان -كما سبق- لا تثبتان.
واختلف العلماء في الصوم للاعتكاف: فبعض أهل العلم قال: إنه شرط له، وإنه "لا بد لاعتكافه من الصوم". والعمدة عندهم على سنته الفعلية، وأنه اعتكف صائمًا -عليه الصلاة والسلام-، واعتكف في رمضان وهو صائم، ولا يكون إلا عن صيام، وذهب آخرون إلى أنه ليس بشرط، وقالوا: الأصل أن الاعتكاف عبادة مستقلة، فلا يقال: إن هذا شرط، إلا بدليل.
واستدلوا أيضًا بما ثبت في الصحيحين: , أنه -عليه الصلاة والسلام- اعتكف العشر من شوال حينما اعتكف فاعتكف أزواجه معه، وضربت عائشة خباءها، ثم ضربت حفصة خباءها، ثم ضربت زينب خباءها، ثم ضربت رابعة خباءها، فخرج -عليه الصلاة والسلام- لصلاة الفجر، فرأى الأخبية مضروبة -من الغيرة- فعلم أنه حصل لهن من الغيرة، وأن الاعتكاف في حقهن لا يكون على هذا الوجه، فقال: آلبر أردن؟ -استنكر عليهن، هل هن يردن البر؟ - فأمر بنقض هذه الأبنية -عليه الصلاة والسلام- ولم يعتكف، فخرج من اعتكافه -عليه الصلاة والسلام-، ثم قضى عشرًا من شوال.
وهذا فيه دلالة من جهتين:
من جهة أولا: أنه لم ينقل أنه صام -عليه الصلاة والسلام- في شهر شوال.
والجهة الثانية: أن ظاهر النص أنه اعتكف يوم العيد، ويوم العيد يوم يحرم صومه، فبهذا استدلوا على أنه ليس من شرط الاعتكاف الصوم.
وأيضًا من حديث عمر بن الخطاب t حينما نذر أن يأتيه قال: , إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية، قال: أوف بنذرك - وفي لفظ: "يومًا". ولم يأمره بالصوم عليه الصلاة والسلام.
وفي بعضها أطلق اليوم، وهو شامل لبياض النهار ففي هذه أدلة يدل على أنه ليس بشرط، وأنه لا بأس أن يدخل اعتكافه وهو غير صائم، في غير رمضان، أو لو كان مثلا معذورًا في رمضان مثلاً، وأراد أن يعتكف معذورًا بالفطر، فالمقصود أنه ليس بشرط.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[07 - 09 - 06, 12:32 م]ـ
703 - وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا; أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {لَيْسَ عَلَى اَلْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ} رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ, وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ أَيْضًا.
وهذا الخبر الراجح وقفه كما ذكر المصنف -رحمه الله-وهو مؤيد لذاك الأصل، مؤيد للأصل السابق، من جهة أن المعتكف ليس عليه صوم، إلا أن يجعله على نفسه، المعنى: أنه ينذر ذلك. كما أن الاعتكاف ليس واجبًا، إلا أن يجعله على نفسه بالنذر فيلزمه ذلك.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[08 - 09 - 06, 05:18 م]ـ
704 - وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا: {أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُرُوا لَيْلَةَ اَلْقَدْرِ فِي اَلْمَنَامِ, فِي اَلسَّبْعِ اَلْأَوَاخِرِ, فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم "أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي اَلسَّبْعِ اَلْأَوَاخِرِ, فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي اَلسَّبْعِ اَلْأَوَاخِرِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
¥