في الحديث الحث على التماس ليلة القدر، وفيه أنهم أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وفي هذا أن الرؤيا يعتمد عليها في الأمور الواقعة، وأنه لا بأس بتحري ما يكون منها، كما وقع من الصحابة، ومنه -عليه الصلاة والسلام- من تحريها لأجل هذه الرؤيا.
فالرؤيا التي لا تكون مخالفة لحكم شرعي، لا بأس أن يؤخذ بها، وكذلك إذا كانت الرؤيا أيضًا ليست من تخبيط الشيطان وتلاعب الشيطان، كذلك لا بأس أن يعتمد على ما يكون منها بشرط ألا يكون فيها مخالفة لحكم شرعي، وفيه: (أنهم أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، فأمرهم -عليه الصلاة والسلام- قال: من كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر) يعني في السبع الأواخر من رمضان.
يعني: من ليلة ثلاث وعشرين فما بعد؛ لأن الشهر يكون تسعا وعشرين، ويكون ثلاثين، يتحراها في السبع الأواخر.
وجاء في اللفظ الآخر: أنه أمر بتحريها في العشر الأواخر من رمضان. وجاء في اللفظ الآخر: (فليتحرها في الوتر في العشر الأواخر) فعلى هذا هي تتحرى في العشر الأواخر من رمضان، وأنها في ليلة العشر.
وثبت في الصحيحين أنه -عليه الصلاة والسلام-، حديث أبي سعيد الخدري: (اعتكف العشر الأوسط من رمضان، ثم قال لأصحابه لما أصبح من يوم عشرين: إن الذي تطلبون أمامكم - وقال: , إني رأيت أني أسجد صبيحتها في ماء وطين).
وكان يعتكف يتحرى هذه الليلة، فأخبر أنها أمامه، وأنها في العَشر الأخير من رمضان، فلما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وكان المسجد سقفه الجريد، وكان مبنيا باللبن وسقفه الجريد، فمطرت السماء في تلك الليلة، فخر المسجد. فقال: (فلقد رأيت أثر الماء والطين على أرنبته -عليه الصلاة والسلام- في تلك الليلة).
فأخبر بعلامتها بعد صلاة الفجر، وأنه يسجد صبيحتها في ماء وطين، وكانت تلك الليلة هي ليلة إحدى وعشرين.
وجاء في اللفظ الآخر: أنها في العشر، وفي الوتر من العشر الأواخر، وفي السبع من العشر الأواخر. فأرجاها على هذا يكون في الوتر من السبع الأواخر، وسيأتي أنها تتنقل في هذه الليالي، فهذا هو ما دل عليه "حديث ابن عمر"، وشواهده في الأخبار الأخرى.
وعن معاوية بن أبي سفيان قوله: (قد تواطأت في السبع الأواخر) التواطؤ: هو التوافق. يدل على أن تواطؤ الرؤيا وتوافقها، خاصة ممن كان صادق القول أقرب إلى صدقها لأن الذي يكون صادق القول في حال استيقاظه، أقرب إلى صدق رؤياه، فمن كان صادق القول كانت رؤياه أقرب إلى الصدق، فإذا اجتمع أنه صادق، وأضاف إلى ذلك تواطؤ الرؤيا وتوافقها، على هذا المعني، يغلب على الظن وقوع هذا الشيء، وصحة هذا الشيء.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[08 - 09 - 06, 05:22 م]ـ
705 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا, عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: {لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ.
وَقَدْ اِخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهَا عَلَى أَرْبَعِينَ قَوْلًا أَوْرَدْتُهَا فِي " فَتْحِ اَلْبَارِي ".
قد راجعت كلامه -رحمه الله- في "فتح الباري"، ووجدته ذكر ستة وأربعين قولاً، كما أنه ذكر أقوالا كثيرة أيضا في ساعة الإجابة من يوم الجمعة، وذكر فيها ثلاثة وأربعين قولاً.
والأقوال التي في ليلة القدر، قريبة من الأقوال التي في ساعة الجمعة، لكن كثيرا من هذه الأقوال أقوال ساقطة وضعيفة، وهذا يدلنا على أن ليلة القدر ليست معلومة، وإنما هي لها علامات، لكنها ليست معلومة، فأخفيت حتى يجتهد بذكر الله، وبدعائه واستغفاره في هذه الأيام، وفي يوم الجمعة، ساعة يوم الجمعة في أحد الأقوال أنها خفية، وأنها لا تعلم.
وقد جاء في حديث رواه أحمد وغيره، من طريق أبي سعيد الخدري: (أنه أريها، وأنه أنسيها -عليه الصلاة والسلام-) كما أنه جاء في ليلة القدر أنه أنسيها، قال: (أريت ليلة القدر، فأيقظني بعض أهلي فأنسيتها).
وثبت في الصحيحين، من حديث عبادة بن الصامت: (أنه خرج إلى أصحابه لكي يخبرهم بليلة القدر، فوجد بعضهم، وجد رجلين يتلاحيان -يعني بينهما خصومة- فأنسيها عليه الصلاة والسلام)
¥