فأخبر بشؤم التلاحي والتنازع، وأنه سبب لفوات بعض الخير، لكن لعل الأمر إلى خير، فكونه أنسيها -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أنه خير للأمة، والخير هو ما اختاره الله لهذه الأمة، وما وقع له -عليه الصلاة والسلام- من كونه أنسيها؛ حتى يجتهد في عبادتها.
وليس على الصحيح شرط فضلها أن يوافقها، وأن يعلمها أو يغلب على ظنه هذه الليلة، فليس هذا بشرط، فمن اجتهد في ليالي رمضان، اجتهد في جميع ليالي رمضان، وقام ما تيسير فإنه يحصل له الفضل وإن لم يعلمها، أو يغلب على ظنه؛ ولهذا كان يأمر بالتحري عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا الحديث "حديث معاوية -رضي الله عنه-"، ظاهر سنده الصحة وأنه جيد، وجاء له شواهد من حديث ابن عمر: (أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) وهي أخبار بمجموعها جيدة، وبعضها طريقه جيد، وبهذا أخذ جمهور العلماء: أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين.
هذا أحد الأقوال في المسألة، وهو المشهور من مذهب أحمد -رحمه الله-، وكان أبي بن كعب يقسم على ذلك، ويقول: "إنها ليلة سبع وعشرين". والأظهر هو القول الثاني في هذه المسألة: وهو أنها ليست في هذه الليلة خاصة، وهذا الخبر لا يدل على أنها في هذه الليلة، إنما يدل على أنها كانت في ليلة من الليالي هي هذه الليلة، فأخبر في بعض الليالي، في بعض السنوات أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين.
كما أخبر في حديث أبي سعيد الخدري: (أنها ليلة إحدى وعشرين، وأنه أري أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين) ولا يدل على أنها ثابتة، وفي حديث عبد الله بن أنيس أنه قال (يا رسول الله إن لي بادية أكون فيها وأنا أصلي فيها بحمد الله فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد فقال أنزل ليلة ثلاث وعشرين فقلت لابنه كيف كان أبوك يصنع قال كان يدخل المسجد إذا صلى العصر فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلي الصبح فإذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد فجلس عليها فلحق بباديته)
وجاء في بعض الأخبار تعيينها في غير هذه الليالي، فهذه الليلة أخبر -عليه الصلاة والسلام- أنها كانت في تلك السنة في ليلة سبع وعشرين، وليس المعنى أنها في جميع الأيام والليالي في ليلة سبع وعشرين.
والصواب أنها متنقلة، أنها تنتقل من الأشفاع إلى الأوتار، ومن الأوتار إلى الأشفاع، لكن أرجاها الأوتار، فهي في العشر الأواخر من رمضان، وأرجاها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان.
ـ[علي بن حسين فقيهي]ــــــــ[08 - 09 - 06, 05:25 م]ـ
706 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: {قُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ اَلْقَدْرِ, مَا أَقُولُ فِيهَا? قَالَ: " قُولِي: اَللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ اَلْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي "} رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, غَيْرَ أَبِي دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ, وَالْحَاكِمُ.
وهذا حديث جيد، وفيه أنه من تيسر له معرفتها واستدل عليها، فهو أمر حسن.
(إن علمت ليلة القدر) وفي هذا إشارة إلى أنها قد تعلم على سبيل الظن، من جهة العلامات التي أخبر بها -عليه الصلاة والسلام- والأمارات، أمارات وعلامات، وجاء في ليلة القدر أمارات وعلامات تدل عليها، لكن ليست قطعًا فيها، وليس -كما سبق- من شرط فضلها أن يوافقها بالفعل والعلم، أو الظن، بل لو "صلى ووافقها" في هذه الآونة -حصل له الفضل.
وأصح ما فيها، ما ثبت في صحيح مسلم، من حديث أبي بن كعب، أنه أخبر قال: (أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس تطلع في صبيحتها كالطست، ليس لها شعاع) يعني: لا يظهر منها شعاع.
وجاء في بعضها، في حديث عند أحمد وغيره: (أنها ليلة طلقة: لا حارة ولا باردة) وجاء: (أنه لا يحل أن يرمى فيها بنجم) وما أشبه ذلك، وجاء في بعضها: (أنها ليلة برد ومطر وريح).
وجاء فيها علامات، لكن كثير منها لا يثبت ولا يصح، وبالجملة هي أمارات، والأمارة لا يلزم وقوعها بل قد تتخلف، إنما هي مجرد أمارة ودلالات، ولا يقطع بها، ولا يجزم بها، ومن تحراها لأجل هذه الأمارات وسأل عنها فلا بأس، فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- ربما تحروا شيئا من هذا؛ رجاء موافقة ليلة القدر.
¥