تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تُرْتكب، وأثاث ينتهب، ومصاحفُ تُمزَّق، ومساجدُ تُحرَّق، فلا الأخُ يُغني أخاه، ولا الابنُ يدعو أباه، ولا الأبُ يُدني بنيه ((لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُم يَومَئذٍ شَأنٌ يُغْنيه)) (عبس 37) ولا المرضعةُ تلوي على رضيعها، ولا الضجيعةُ ترثي لضجيعها، كأنهم في مثلِ اليوم الذي ذكره الجليل، في محكم التنزيل ((يومَ تَرَونها تَذْهلُ كلُّ مُرضِعةٍ عمَّا أَرضَعتْ وتَضعُ كُلُ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وتَرَى الناسَ سُكارَى وما هُم بِسُكارى)) (الحج 2) فما ظنكم – معشرَ المسلمين – وقد سيقت النساءُ والولدان، ما بين عاريةٍ وَعُرْيان، قَوْداً بالنواصي إلى كلّ مكان، طوراً على المتون، وطوراً على البطون، ومشيخةُ الرجال، مُقرَّنين في الجبال، مصفَّدين في السّلاسلِ والأغلال، مقتادين بشعورِ السِّبال، إن استرحموا لم يُرْحموا، وإن استطعموا لم يُطعَموا، وإن استسقَوْا لم يُسقَوْا، وقد طاشتْ أحلامُهُم، وذهلت أوهامهم، وسخنت أعيانهم، وتغيَّرت ألوانُهُم.

وفي فصل منها: وما ظنّكُم – معشرَ المسلمين – وقد رأيتم [47ب] الجوامعَ والصوامعَ بعد تلاوةِ القرآن، وحلاوةِ الآذانِ، مطبقةً بالشرك والبهتان، مشحونة بالنواقيسِ والصُّلبان، عوَضاً من شيعةِ الرحمن، [والأئمةُ والمتدينون]، والقوَمَةُ والمؤذّنون، يجرُّهُم الأعلاجُ كما تُجرُّ الذبائح إلى الذباح، يُكبّونَ على وجوههم في المساجد صاغرين، ثم أُضرمتْ عليهم ناراً حتى صاروا رماداً، والكفرُ يضحكُ ويُنكي، والدينُ ينوحُ ويبكي، فيا ويلاه، ويا ذلاّه، ويا كرباه، ويا قرآناه، ويا محمداه، ألا ترى ما حلَّ بحملةِ القرآن، وحَفَظَة الإيمان، وصوّامِ شهرِ رمضان، وحجّاج بيتِ الله الحرام، والعاكفين على الصلاة والصيام، والعاملين بالحلالِ والحرام، فلو شهدتم – معشرَ المسلمين – ذلك لطارتْ أكبادكم جَزَعاً، وتقطّعَتْ قلوبكم قطعاً، واستعذبتم طعمَ المنايا، لموضعِ تلك الرزايا، ولهجرت أسيافكم أغمادَها، وجفتْ أجفانكم رُقادها، امتعاضاً لعبدّةِ الرحمن، وحفظة القرآن، وضعفةِ النساءِ والولدان، وانتقاماً من عَبدة الطغيان، وَحَملَةِ الصلبان.

وفي فصل منها: وقد ندبَ الله مسلمي عبادِهِ إلى الجهادِ في غيرِ ما آيةٍ من الكتاب، يضيقُ عن نصِّها الخطاب، ترغيباً وترهيباً، فوعد المطيعين جزيلَ ثوابه، والعاصين أليمَ عقابه، والروايةُ عنه عليه السلام في فضل الجهاد، وما يجازى فيه ربُّ العباد، أشهرُ من أن تذكَرَ، وأكثرُ من أن تحصرَ، فالله َ الله َ في إجابةِ داعينا، وتلبيةِ منادينا، قبل أن تُصْدَعَ صَفاتنا كَصَدعِ الزّجاج، فهناك لا ينفعُ العلاج.

وفي فصل منها: ولا بدَّ للحقِّ من دولة، وللباطلِ من جَوْلَة، والحربُ سجال، والدهرُ دُوَل، و ((لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ)) (يونس 49)؛ ولولا فرطُ الذنوب، لما كان لريحهم علينا [من] هُبوب، ولو كان شَملُنا منتظماً، وشعبنا ملتئماً، وكنّا كالجوارح في الجسدِ اشتباكا، وكالأناملِ في اليد اشتراكا، لما طاشَ لنا سهمٌ، ولا سَقَطَ لنا نجم، ولا ذلَّ لنا حِزْب، ولا فُلَّ لنا غَرْب، ولا رُوّعَ لنا سِرْب، ولا كُدِّرَ لنا شِرْب، وَلَكُنّا عليهم ظاهرين، إلى يوم الدين، فالحذرَ الحذرَ! فإنه رأسُ النظر، من بركانٍ تطايرَ منه شررٌ مٌلهِبٌ، وطوفانٍ تساقطَ منه قَطرٌ مرهب، قلّما يؤمن من هذا إحراق، ومن ذلك إغراق، فتنبّهوا قبلَ أن تُنَبّهوا، وقاتلوهمْ في أطرافهمْ قبل أن يقاتلوكم في أكنافِكُمْ، وجاهدوهم في ثغورهم، قبل أن يجاهدوكم في دوركم، ففينا [48أ] مُتّعَظٌ لمن اتّعظَ، وَعِبرةٌ لمن اعتبر، فانظروا إلى ثغورنا كيف تُهتَضَمُ، وإلى أطرافِنا كيف تُخترم، وفيئنا كيف يُقتَسم، وأموالِنا كيف تُصْطَلم، ودماؤنا مطلولة، وحدودنا مَفلولة، وأنتم عنّا لاهون، في غمرةٍ ساهون، وكأنّا لسنا منكم، ولا نحن سدادٌ دونكم مضروبة، وَجُنَنٌ نحوكم منصوبة.

وفي فصل منها: وأنه إذا استُلِبَتِ الأطرافُ، لم تتعذّرِ الأنصافُ، والبعضُ للبعضِ سبب، والرأسُ من الذَّنَب، غير أنّا دَنَونا وبعدتم، وشقينا وسعدتُمْ، ورأينا وسمعتُم، وليس الخبرُ كالعيان، ولا الظنُّ كالعرفان، ولقد آن أن يبصرَ الأعمى وينشطَ الكسلان، ويستيقظَ النّومان، ويشجعَ الجبان. ا.هـ من رسائل ابن عبد البر رحمه الله المذكورة في كتاب

الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (1/ 173) لأبي الحسن علي بن بسام الشنتريني , ت542هـ

ـ[خالد الشايع]ــــــــ[05 - 04 - 03, 09:59 ص]ـ

بارك الله فيك أخي المنهال

فهذا كلام يكتب بالدرر.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير