تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مَقالة في (مَنهج المتقدمين) .. للشيخ الطريفي

ـ[عبدالله العتيبي]ــــــــ[31 - 03 - 03, 09:08 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الأخ الفاضل خليل بن محمد الشاعري وفقه الله وحفظه:

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد رغبت ـ حفظك الله ـ في كتابة أسطر في منهج الحفاظ في نقدهم للاخبار، ومقارنته بما عليه كثير من المتأخرين، فأقول:

إن سنة النبي صلى الله عليه وسلم من أشرف ما يُسعى في طلبه، وفي فهم معانيه، معرفة صحيح السنة من سقيمها من أعظم القربات إلى الله، فسنة النبي صلى الله عليه وسلم قسيمة القرآن في التشريع، ووحي الله المنَزَّل على نبيه عليه الصلاة والسلام، نزل بها روح القدس على نبينا عليه الصلاة والسلام وإن كانت لا تتلى، وهذا محل تسليم عند المسلمين، روى الدارمي وأبوداود في ((المراسيل)) والمروزي في ((السنة)) عن الأوزاعي عن حسان قال: كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن.

وقد اعتنى الأئمة الحفاظ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فحفظوها من الدخيل فيها، من كذب الكاذبين، وعبث العابثين، وتخليط المخلطين، وأوهام الواهمين، وتدليس المدلسين، فكانوا حملة السنة بحق، والذَّابين عن عرض نبي الأمة صلى الله عليه وسلم بصدق، ومن هؤلاء الأئمة الكبار عامر الشعبي وسعيد بن المسيب وشعبة وسفيان الثوري وابن عيينة وابن مهدي وابن معين ويحي القطان وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ومسلم والبخاري وأبو داود والنسائي والترمذي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم من أئمة هذا الشأن.

وكان لهؤلاء الائمة منهج بديع في النقد، ونظر ثاقب في معرفة الرجال وأحوالهم، وبصر نافذ في معرفة الروايات صحيحها من سقيمها ومنكرها، فكان لهم منهج وملكة في تقويم الرويات قد طُوِيَ بساطها منذ رحيلهم، وكان كل من جاء بعدهم عيال عليهم في النقد، ومن كلام الأئمة هؤلاء قُعِّدَت قواعد الاصطلاح، وَوُضِعَت أبوابه، وكان كلامهم رحمهم الله منثوراً في كتب السنة من صحاح وسنن، ومسانيد ومعاجم، وفي مسائل الناس لهم، وفي كتب التواريخ والتراجم، والعلل، بل وفي كلامهم في مسائل العقائد والفقه والتفسير أيضاً .. فنُظِر في كلامهم، وجُمِعت أقوالهم، وقُعِّدَت في قواعد الاصطلاح.

كان للائمة الحفاظ ـ عليهم رحمة الله ـ مَلَكة في سَبْرِ أحوال الرواة ومروياتهم مما لا يكون لمن بعدهم مهما بلغوا من الحفظ والعلم، فهم على إياس من ذلك.

ولهذا كان نقدهم محل قوة ومكانه في النفوس، فملكتهم تلك جعلت من ينظر في بعض كلامهم يظن فيه الاضطراب والتناقض، فربما ضعفوا راوياً وصححوا له حديثاً، وربما وثقوا راوياً وضعفوا له حديثاً لغرابته ونكارته، وربما قالوا بجهالة راوي وقَوّوا أحاديثه، فلهم مسالك وطرق في تعليل الأخبار وقبولها لا تجري على قاعدة مضطردة في كل حال.

وقد تَوَهَّم كثيرٌ ممن لا عناية لهم بمسالك الحفاظ ومناهجهم أن مثل هذا اضطراب أو تغير قول، وهو ليس كذلك بل هو منهج ومسلك يدور مع قرائن الحال التي رسخت وتأصلت في ملكة هؤلاء الحفاظ فلا يكادون هم يجدون لها تفسيراً يجري على قاعدة تدون ونص يضطرد في كل حال.

ولذا قال الحافظ ابن رجب:

(حُذَّاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال، وأحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص يفهمون به أنَّ هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان، فيعللون الأحاديث بذلك، وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة تحصره، وإنما يرجع فيه إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عَنْ سائر أهل العلم).

وذلك لأنهم سَبَروا الروايات وأحوال الرواة مع قرب عهد مَنَّ الله عليهم به، وكل من زعم أن مثل هذا القول من الائمة يرد لأن سبب التعليل فيه غير ظاهر والحكم فيه غير مفسر، فهذا عين الجناية والتقدم بين أيدي هؤلاء الحفاظ النقاد ببضاعة مزجاه تجري على قواعد اصطلاحية إنما أخذت من نقدهم وكلامهم، ولم تؤخذ من غيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير