ج/ المراتب الثلاثة الأولى للحديث الصحيح لا إشكال فيها، إلا إذا لم يجعل ذلك التقسيم مطردا، لأن ما أخرجه مسلم دون البخاري قد يكون أصح مما أخرجاه لأسباب علمية؛ كشهرة الأول وغرابة الثاني – مثلا – كما أوضح ذلك الحافظ ابن حجر وغيره.
أما الأقسام الباقية ففيها كلام، أولا: ما معنى قولهم: ما كان على شرطهما وما كان على شرط أحدهما؟ ما المقصود بالشرط هنا؟ وما مصدر هذا التقسيم؟ إذا علمنا أساس هذا التقسيم، وأن مبناه قول الإمام الحاكم في تضاعيف كتابه المستدرك، ففي جعل تلك الأقسام الثلاث الأخيرة من الصحيح نظر قوي؛ إذ معنى قوله هذا صحيح على شرط الشيخين أو شرط أحدهما أن رواة الحديث ممن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما بغض النظر عن مدى سلامة الحديث من الشذوذ والعلة وحتى عن قضية العنعنة التي أثير حولها خلاف بين الشيخين، فبمجرد كون الراوي من رواة البخاري أو مسلم أصبح حديثه على شرطه، هذا هو الذي نفهمه من تضاعيف كتاب الحاكم (المستدرك). وحذى حذوه بعض المتأخرين والمعاصرين، وحتى قال بعضهم قياسا على هذا الأسلوب: هذا إسناد صحيح على شروط الستة.
وعلى كلٍّ فالحديث الذي قيل فيه إنه على شرط الشيخين أو شرط أحدهما قد يكون صحيحا أو حسنا أو معلولا واهيا، وقد يكون الإسناد متصلا أو منقطعا، وبالتالي فلا مجال للإشكال الذي ورد في السؤال، حيث إن التقسيم يكون غير سليم أصلا.
ثم إن التقسيم حسب هذا المعنى الذي سبق ذكره لا يوهم أن للصحيح شروطا تختلف باختلاف المحدثين، وشروط الصحيح التي تضمنها تعريف الصحيح متفق عليها لدى المحدثين النقاد، ولم يختلف فيها إلا الفقهاء، وأما إذا كان التقسيم مبنيا على مراعاة شروط الصحيح فإنه يوهم اختلاف هذه الشروط وتنوعها حسب الأشخاص من المحدثين، وليس الأمر كذلك في الواقع، ولم يقل أحد بذلك التنوع.
كما لا يكون هناك فرق بين ما كان على شرطيهما وبين ما أخرجاه؛ لأن الحديث الذي أخرجاه في الصحيحين لم يخرجاه إلا لوجود شروط الصحيح فيه، وما وُجدت فيه شروط الصحيح فعلا حسب رأي النقاد لا سيما الشيخان، لا يتأخر عن مرتبة ما أخرجاه، لمجرد كون ذلك الحديث الصحيح الذي صححوه غير مخرج في الصحيحين، وأما إذا قال غير النقاد إنه على شرط الشيخين فقد يكون صحيحا أو حسنا أو ضعيفا معلولا، وبالتالي لا يكون هذا الحديث مثل ما أخرجه الشيخان أو أحدهما قطعا.
فضيلة الشيخ حمزة وفقه الله للخير:
س56/ ما تحرير القول في الخلاف في الحديث المعنعن , وما حقيقة مذهب البخاري ومسلم في هذه المسألة؟
وما تقييمكم للدراسة التي قام بها الشيخ الشريف حاتم لهذه القضية في كتابه (إجماع المحدثين)؟ وفقنا الله جميعا إلى بلوغ الحق, وبرد اليقين.
ج/وفقنا الله وإياكم لمعرفة الحق واتباعه والدفاع عنه إيمانا واحتسابا، ولمعرفة الباطل واجتنابه.
فيما أرى أنه لا خلاف بين الشيخين في مسألة العنعنة، ولم يقصد مسلم بنقده اللاذع الإمام البخاري ولا علي بن المديني ولا أحدا من الأئمة السابقين له، وإنما قصد به من المنتسبين إلى الحديث من استعجل في أمر العنعنة في عصره، ولم يوفق في ذلك لانتهاج منهج الأئمة السابقين، هذا وقد حدد مسلم مسألة العنعنة بقوله: ’’وأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا‘‘ ولم يكن كلامه (رحمه الله) حول عموم العنعنة، كما أوضحنا ذلك في إحدى الإجابات السابقة. وكذلك سبق فيها ما يتعلق بكتاب الشيخ الشريف حاتم.
س57/ ذكر أحد الأفاضل في كتاب له: أنّه عند سرد أقوال أهل العلم في راوٍ معيّن فإنّه لا ينبغي ذكر قول ابن حجر وغيره من المتأخرين في ذلك الراوي جنبا ًإلى جنب أقوال المتقدّمين. وحجّته في ذلك هي أنّ المتأخرين إنّما بنوا قولهم في ذلك الراوي ـ بالدرجةالأولى ـ على أقوال المتقدّمين. فما رأيكم (وفقكم الله لكلّ خير)؟
ج/ هذا هو الصواب للسبب الذي ذكرت في السؤال، وأما في حالة اختلاف أقوال أئمة الجرح والتعديل فيعول على ما رجحه الحافظ ابن حجر أو الذهبي أو غيرهما إذا لم يوجد دليل على خلاف ذلك. (والله أعلم).
الشيخ الفاضل حمزة بن عبد الله المليباري وفقه الله تعالى، أحببناك والله تعالى يعلم في الله دون أن نراك يا شيخ ونسأل الله أن نراك بخير وعافية.
¥