تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كلام ابن خلدون حول علوم الحديث في مقدمته]

ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[13 - 10 - 03, 02:09 ص]ـ

قا ل ابن خلدون في المقدمة

الفصل السادس

في علوم الحديث

وأما علوم الحديث فهي كثيرة ومتنوعة لأن منها ما ينظر في ناسخه ومنسوخه وذلك بما ثبت في شريعتنا من جواز النسخ ووقوعه لطفا من الله بعباده وتخفيفا عنهم باعتبار مصالحهم التي تكفل لهم بها قال تعالى (ما تنسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)

فإذا تعارض الخبران بالنفي والإثبات وتعذر الجمع بينهما ببعض التأويل وعلم تقدم أحدهما تعين أن المتأخر ناسخ

ومعرفة الناسخ والمنسوخ من أهم علوم الحديث وأصعبها

قال الزهري أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله من منسوخه وكان للشافعي رضي الله عنه فيه قدم راسخة

ومن علوم الأحاديث النظر في الأسانيد ومعرفة ما يجب العمل به من الأحاديث بوقوعه على السند الكامل الشروط لأن العمل إنما وجب بما يغلب على الظن صدقه من اخبار رسول الله فيجتهد في الطريق التي تحصل ذلك الظن وهو بمعرفة رواة الحديث بالعدالة والضبط وإنما يثبت ذلك بالنقل عن أعلام الدين بتعديلهم وبراءتهم من الجرح والغفلة ويكون لنا ذلك دليلا على القبول أو الترك

وكذلك مراتب هؤلاء النقلة من الصحابة والتابعين وتفاوتهم في ذلك وتميزهم فيه واحدا واحدا وكذلك الأسانيد تتفاوت باتصالها وانقطاعها بأن يكون الراوي لم يلق الراوي الذي نقل عنه وبسلامتها من العلل الموهنة لها وتنتهي بالتفاوت إلى طرفين فحكم بقبول الأعلى ورد الأسفل ويختلف في المتوسط بحسب المنقول عن أئمة الشأن

ولهم في ذلك ألفاظ اصطلحوا على وضعها لهذه المراتب المرتبة مثل الصحيح والحسن والضعيف والمرسل والمنقطع والمعضل والشاذ والغريب وغير ذلك من ألقابه المتداولة بينهم

وبوبوا على كل واحد منها ونقلوا ما فيه من الخلاف لأئمة اللسان أو الوفاق

ثم النظر في كيفية أخذ الرواية بعضهم عن بعض بقراءة أو كتابة أو مناولة أو إجازة وتفاوت رتبها وما للعلماء في ذلك من الخلاف بالقبول والرد

ثم اتبعوا ذلك بكلام في ألفاظ تقع في متون الحديث من غريب أو مشكل أو تصحيف أو مفترق منها أو مختلف وما يناسب ذلك هذا معظم ما ينظر فيه أهل الحديث وغالبه

وكانت أحوال نقلة الحديث في عصور السلف من الصحابة والتابعين معروفة عند أهل بلده فمنهم بالحجاز ومنهم بالبصرة والكوفة من العراق ومنهم بالشام ومصر بالجميع معروفون مشهورون في أعصارهم

وكانت طريقة أهل الحجاز في أعصارهم في الأسانيد أعلى ممن سواهم وأمتن في الصحة لاستبدادهم في شروط النقل من العدالة والضبط وتجافيهم عن قبول المجهول الحال في ذلك وسند الطريقة الحجازية بعد السلف الإمام مالك علم المدينة رضي الله تعالى عنه ثم أصحابه مثل الإمام محمد بن أدريس الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وأمثالهم

وكان علم الشريعة في مبدإ هذا الأمر نقلا صرفا شمر لها السلف وتحروا الصحيح حتى أكملوها وكتب مالك رحمه الله كتاب الموطإ أودعه أصول الأحكام من الصحيح المتفق عليه ورتبه على أبواب الفقه ثم عني الحافظ بمعرفة طرق الأحاديث وأسانيدها المختلفة وربما يقع إسناد الحديث من طرق متعددة عن رواة مختلفين وقد يقع الحديث أيضا في أبواب متعددة باختلاف المعاني التي اشتمل عليها

وجاء محمد بن إسماعيل البخاري إمام المحدثين في عصره فخرج أحاديث السنة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميع الطرق التي للحجازيين والعراقيين والشاميين واعتمدوا منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه وكرر الأحاديث يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الباب الذي تضمنه الحديث فتكررت لذلك أحاديثه حتى يقال إنه اشتمل على تسعة آلاف حديث ومائتين منها ثلاثة آلاف متكررة

وفرق الطرق والأسانيد عليها مختلفة في كل باب

ثم جاء الإمام مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله تعالى فألف مسنده الصحيح حذا فيه حذو البخاري في نقل المجمع عليه وحذف المتكرر منها وجمع الطرق والأسانيد وبوبه على أبواب الفقه وتراجمه ومع ذلك فلم يستوعبا الصحيح كله وقد استدرك الناس عليهما في ذلك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير