[منهج الإمام ابن حزم مقارنة بمنهج أئمة الحديث المتقدمين]
ـ[ابن معين]ــــــــ[03 - 03 - 03, 06:29 م]ـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ممن اشتهر في العلم باعه، وفاق فيه أهل عصره وأقرانه، برع في علوم عديدة، وصنف تصانيف مفيدة، فله في كل علم سهم، وفي كل فنٍ نصيبٌ وفهم.
ومن جملة العلوم التي اهتم بها وألف، وكتب فيها وصنف، علم الحديث، فألف فيه تآليف متنوعة، وصنف فيه تصانيف متعددة، إلا أنه لم يصل لنا مما كتب في هذا العلم سوى ما في كتابه الفقهي (المحلى)، وما كتبه في (إحكام الأحكام) وأبان فيه وجلى.
وابن حزم على جلالة محله في العلم، وعظيم مقامه فيه، لم يكن الحديث صناعته، ولا الجرح والتعديل بضاعته، قعّد فيه قواعد ليست تعرف عن أهله، وأصل فيه مسائل من عند نفسه!
وأنا ذاكر بحول الله وقوته، نبذاً من طريقته في هذا العلم، وشيئاً من منهجه في هذا الفن، مختصراً ما قدرت، وموجزاً ما استطعت.
المسألة الأولى: رأيه في الراوي الثقة.
قال ابن حزم في الإحكام (1/ 133_134):
(وقد غلط أيضاً قوم آخرون منهم فقالوا: (فلان أعدل من فلان)، وراموا بذلك ترجيح خبر الأعدل على من هو دونه في العدالة. ثم قال: وهذا خطأ شديد .. .. إلى أن قال: (فصح أنه لا يجوز ترجيح رواية على أخرى!!).
قلت: وابن حزم بقوله هذا يرى أن الرواة الثقات على درجة واحدة!
وليس هناك تفاضل بينهم! ولا في الحفظ!!، فأئمة الحديث وحفاظهم مع سائر الثقات عنده في مرتبة واحدة!
وأما القوم الآخرون الذين غلطهم فهم نقاد الحديث كلهم!! الذين ميزوا بين الثقات ووضحوا الأدنى من الأعلى من الأثبات.
ثم تأمل قوله: (فصح أنه لا يجوز ترجيح رواية على أخرى!!).
وأكتفي لك في رد هذا القول و وهاء سقوطه بقول ابن الوزير الصنعاني _ كما في الروض الباسم (1/ 316) _: (الترجيح بزيادة الثقة والحفظ عند التعارض أمرٌ مجمع عليه).
يتبع
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[03 - 03 - 03, 08:32 م]ـ
أخي الفاضل جزاك الله خيراً على طرح هذا الموضوع المهم. والحقيقة أن الكثير من طلبة العلم الناشئين يبدؤون في أول الطلب بقراءة "الإحكام" فيختل فهمهم لقواعد الحديث. فإن ابن حزم لم يكتف بمخالفة المتقدمين، بل إنه دافع عن مذهبه وسرد له أدلة كذلك.
لكن للإنصاف فإني أظن بحثه حول الأعدل ليس المقصود منه الأوثق. فمن الممكن أن نقول فلان عدل أم غير عدل، وهذا يختلف عن الضبط والحفظ. والثقة هو العدل الضابط.
ومع ذلك يبقى كلام ابن حزم غير صحيح بالنظر إلى وجود أهل البدع ممن تضعف عدالتهم عندما يروون ما يوافق بدعتهم. وأمثال ذلك.
ـ[ابن معين]ــــــــ[04 - 03 - 03, 01:48 م]ـ
وتوضيحاً لكلام ابن حزم السابق لمن قد يفهم من تغليطه (ترجيح خبر الأعدل على من هو دونه في العدالة) أنه عنى العدالة الدينية دون الحفظ والضبط، أقول:
إن ابن حزم وإن كان قصد هذا كما أشار إليه بعد ذلك، إلا أنه يرى أيضاً تغليط (ترجيح الثقة على من هو دونه في الثقة)، وذلك لأن ابن حزم يطلق العدل أحياناً ويريد بها الثقة، ومن ذلك قوله _ (1/ 134) _: (العدالة إنما هي التزام العدل، والعدل هو القيام بالفرائض، واجتناب المحارم، والضبط لما روى وأخبر به فقط)، وقوله _ (1/ 131) _: (فإذا روى العدل عن مثله كذلك خبراً حتى يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم فقد وجب الأخذ به .. ).
ومما يقطع بأن أراد بكلامه السابق تغليط ترجيح الثقة على من هو دونه في الثقة قوله _ في باب تعارض النصوص (2/ 177) _: (قال ابن حزم: وقالوا نرجح أيضاً بأن يكون راوي أحد الخبرين أضبط وأتقن.
قال ابن حزم: هذا أيضا خطأ بما قد أبطلنا فيما سلف من هذا الباب قول من رام ترجيح الخبر بأن فلانا أعدل من فلان فأغنى ذلك عن إعادته).
ثم منعه لهذا الترجيح بين الثقات بناء على أنه أصل أصلاً له في مراتب الرواة، وهو أن الرواة عنده على قسمين:
إما ثقات على درجة واحدة في العدالة والضبط، فيجب قبول حديثهم كله!
أو ضعفاء في مرتبة واحدة من الضعف، مردود حديثهم كله، بل لا يمكن أن يتقوى بأي حال من الأحوال!!
قال ابن حزم في الإحكام (1/ 133):
¥