يَا أبا ذر، رأيتك تخفف القِيَام و تكثر الرُّكُوع والسُّجُود
ـ[أبو تيمية إبراهيم]ــــــــ[19 - 12 - 02, 06:52 م]ـ
عن مُخَارِق قَالَ: مررت بأبي ذر بالربذة وأنا حاج فدخلت عليه منزله فوجدته يُصَلِّي يخفف القِيَام قدر ما يقرأ إنا أعطيناك الكوثر وإذا جاء نصر الله ويكثر الرُّكُوع والسُّجُود فلما قضى الصَّلاَة قلت له: يَا أبا ذر، رأيتك تخفف القِيَام و تكثر الرُّكُوع والسُّجُود، قَالَ: فقَالَ: سمعت رسول الله e يقول: ((ما من عبد يسجد لله سجدة أو يركع لله ركعة إلا حط الله عنه بها خطيئة و رفعه بها درجة)).
أَخْرَجَهُ ابن أبي شَيْبَةَ (4628) و البخاري فِي ((التاريخ)) (7/ 430) معلقًا و ابن نصر فِي ((تعظيم قدر الصَّلاَة)) (287) و الطحاوي فِي ((شَرْحِ المَعَانِي)) (1/ 476) و البَيْهَقِيُّ (3/ 10) من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن مخارق به.
قلت: تُوبِعَ أبو الأحوص على هذا، تابعه:
1 - زهير بن معَاوية: أَخْرَجَهُ الإِمَام أَحمَد (21346) قَالَ حَدَّثَنَا يحيى بن آدم، حَدَّثَنَا زهير به نحوه.
2 - حديج بن معَاوية: أَخْرَجَهُ الطحاوي من طريق يحيى بن عبد الحميد الحِمّاني عنه مقرونًا بأبي الأحوص.
قلت: و الحِمَّانيُّ لا يحتجُّ به.
و الحديث: أَخْرَجَهُ أيضًا مسدد فِي ((مسنده)) كما فِي ((الإتحاف)) للبوصيري (3/ 99)، و قَالَ: ((رجاله ثقات)) -، و لعلَّه طريق آخرففِي لفظه مغايرة.
قلتُ: و الحديثُ صحيحُ السَّند إلى مخارق هذا، و أما هو فقد ترجمه البخاري بهذه الرواية و كذا ابن أبي حاتم، و لم يحكيَا فِيه شيئًا، و ذكره ابن حِبَّانَ فِي ((ثقاته))، و قَالَ: ((شيخ))، و هو عندي صالحٌ، لا بأس به، حديثه هذا مستقيمٌ، فالسند على هذا حسن لا بأس به.
و دليلُ استقامةِ حديثِ مخارق: ما رواه هارون بن رئاب، عن الأحنف بن قيس قَالَ: دخلتُ بيت المقدس فوجدت فِيه رجلاً يكثِرُ السُّجُود فوجدتُ فِي نفسي من ذلك، فلما انصرف، قلتُ: أتدري على شفعٍ انصرفتَ أم على وِترٍ؟ قَالَ: إنْ أَكُ لا أدري، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يدري، ثم قَالَ: أخبرني حبي أبو القاسم e ثم بكى ثم قَالَ أخبرني حبي أبو القاسم eثم بكى ثم قَالَ أخبرني حبي أبو القاسم e أنه قَالَ: ((ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة وكتب له بها حسنة)) قَالَ:قلتُ: أخبرني من أنت يرحمك الله؟ قَالَ: أنا أبو ذر صاحب رسول الله e فتقاصرت إلي نفسي.
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ (3561 و 4847) و عنه الإِمَام أَحمَد (21490)، و الدارمي (1433 - البغا) و البزار (3903) و ابن نصر فِي ((تعظيم قدر الصَّلاَة)) (288) و أبو نعيم (3/ 56) و البَيْهَقِيُّ (2/ 489) من طرق عن الأوزاعي عن هارون به.
قلتُ: وهذا سَنَدٌ صَحِيحٌٍ، رجاله ثقات.
و رواهُ أيضًا مُطَرِّفُ بنُ عبد الله بن الشِّخِّير بنحوه دون ذكر جملة تخفِيف القِيَام و تكثير الرُّكُوع و السُّجُود: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ (3562) و ابن أبي شَيْبَةَ (4630) من طريق أبي عثمان النهدي؛ و الإِمَام أَحمَد (21355) و ابن نصر فِي ((قدر الصَّلاَة)) (286) من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد كلاهما بالقصة نفسها إلا أن أبا عثمان أوقف جملة: ((من سجد لله .. ))، و ابن جدعَان رفعها؛ كلاهما عن مطرف به.
قلت: لعلَّ رفعها محفوظٌ؛ فإنَّ رواية حماد عن علي بن زيد قويَّة، فقد كانت له بمرويَاته عناية، و لذا نصَّ الأئمَّة: الإِمَام أَحمَد و أبوحاتم على أنه أثبت الناس فِي ابن جدعَان، و ترجيح الرفع على الوقف أو العكس ليس متعلِّقًا فقط بدرجات الرُّوَاة من حيث الضبط، كلاَّ بل هو مرتبطٌ بقرائن كثيرةٍ إسناديةٍ و متنيةٍ لا يمكنُ أن تنضبِطَ بضابطٍ أو أن تجمعَها قاعدةٌ.
و الأئمة قديما قد يرجحون الوقف على الرفع و إن كان من رفع أضبط ممن أوقف و هكذا لما يحتف بالوقف من قرائن، و شرح هذا يطول، لكن عليك بالنظر فِي كتب الحفاظ المتقدمين مع التجرد من الهوى و تجريد الذهن من ترسبات القواعد التي قعدها متأخِّرو من تكلم فِي هذا الفن من محدثين و أصوليين؛ و إلاَّّ فلا يجوزُ لك أن تقرأَ فتنقدَ بَلْه أن تحاولَ فهمَ ما ذكرنا فإِنَّمَا أنت تعبَثُ و تضيِّع وقتَكَ، فكنْ حَذِرًا.
و لقصة أبي ذر هذه طريق آخرعند أبي نعيم فِي ((مسند أبي حنيفة)) (ص:89)، لكنه ضعيفٌ.