[التعريف بـ (علم علل الحديث)]
ـ[ابن معين]ــــــــ[24 - 05 - 03, 01:24 م]ـ
..................... (التعريف بعلم علل الحديث) ......................
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن علوم السنة النبوية من أجل العلوم قدراً، وأعظمها شرفاً وذكراً، وأكثرها ثواباً وأجراً.
وأجل علومها فائدة ونفعاً علم (علل الحديث)، لأن من شروط صحة الحديث انتفاء علله القادحة فيه.
قال الخطيب البغدادي: (معرفة علل الحديث أجلّ أنواع علم الحديث).
ولأهمية هذا العلم وعظيم فائدته فقد أحببت التعريف به _ وقد كنت وعدت بذلك سابقاً والحمد لله على تيسيره _.
وسيشمل التعريف بهذا العلم على جل مباحثه، ومعظم مسائله، إن شاء الله تعالى.
وسيقسم على هيئة فصول، وكل فصل قد يجمع مسألة أو أكثر.
أسأل الله أن ينفع بهذا البحث كاتبه وقارئه، وأن يجعل ذلك في موازين حسناتنا أجمعين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كتبه أخوكم: هشام بن عبدالعزيز الحلاف.
المعيد في قسم السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
السبت 23/ 3/1424هـ
ـ[ابن معين]ــــــــ[24 - 05 - 03, 05:48 م]ـ
الفصل الأول: تعريف العلة.
المسألة الأولى: تعريف العلة في اللغة.
ذكر أهل اللغة في كتبهم معنى العلة، وجلهم يذكر أنها بمعنى المرض.
لكن وجدت أشمل من ذكر معانيها وأوضح مبانيها هو ابن فارس في كتابه معجم مقاييس اللغة، فإنه قال:
(عل: العين واللام أصول ثلاثة صحيحة:
أحدها: تكرار أو تكرير.
والثاني: عائق يعوق.
والثالث: ضعف في الشيء.
فالأول: العلل هو الشربة الثانية، ويقال: علل بعد نهل، ويقال: أعل القوم إذا شربت إبلهم عللا، قال ابن الأعرابي في المثل: "ما زيارتك إيانا إلا على سوم عالة"، أي مثل الإبل التي تعل، وإنما قيل هذا لأنها إذا كرر عليها الشرب كان أقل لشربها الثاني.
والثاني: العائق يعوق، قال الخليلي: (العلة حدث يشغل صاحبه عن وجهه، ويقال: اعتله عن كذا أي إعتاقه، قال فاعتله الدهر وللدهر علل).
والثالث: العلة المرض، وصاحبها معتل، قال ابن الأعرابي: (علّ المريض: يعل فهو عليل).
ـ[ابن معين]ــــــــ[24 - 05 - 03, 05:54 م]ـ
المسألة الثانية: تعريف العلة في اصطلاح المحدثين.
تبين لي من خلال النظر في كتب العلل واستعمال الأئمة لها وتعاريفهم إياها أن مصطلح العلة يُستعمل عندهم باستعمالين: عام وخاص.
العلة بالمعنى الخاص:
فأما العلة بمعناها الخاص فهي سبب خفي يقدح في صحة الحديث.
وأول من وجدته قد أبان عن هذا المعنى بوضوح هو أبو عبد الله الحاكم، حيث قال في معرفة علوم الحديث _في النوع السابع والعشرين منه _: (وإنما يُعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فإن حديث المجروح ساقط واهٍ، وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه فيصير معلولاً).
وهذا هو معنى قول عبدالرحمن بن مهدي: (لئن أعرف علة حديث عندي أحب إلي من أكتب عشرين حديثاً ليس عندي).
ثم جاء بعده ابنُ الصلاح _ وقد حررَّ كلامَ الحاكم السابق _ فقال في مقدمته: (وهي (أي العلة) عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه، فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها).
قال ابن حجر: (فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع _مثلاً _ معلولاً، ولا الحديث الذي راويه مجهول أو مضعف معلولاً، وإنما يسمى معلولاً إذا آل أمره إلى شيء من ذلك مع كونه ظاهر السلامة من ذلك. وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود).
وقال ابن حجر _ أيضاً _: (وقد أفرط بعض المتأخرين فجعل الانقطاع قيداً في تعريف المعلول، فقرأت في المقنع للشيخ سراج الدين ابن الملقن قال: ذكر ابن حبيش في كتاب علوم الحديث أن المعلول: أن يروي عمن لم يجتمع به كمن تتقدم وفاته عن ميلاد من يروي عنه، أو تختلف جهتهما كأن يروي الخراساني مثلاً عن المغربي ولايُنقل أن أحدهما رحل عن بلده.
قلت (أي ابن حجر): وهو تعريف ظاهر الفساد، لأن هذا لا خفاء فيه، وهو بتعريف مدرك السقوط في الإسناد أولى).
وكل من جاء بعد ابن الصلاح _ممن عرف الحديث المعلول _ هو على ما قاله ابن الصلاح، وعندهم أن الحديث المعلول يُشترط فيه شرطين:
الأول: أن تكون العلة في الحديث خفية غامضة.
الثاني: أن تكون العلة قادحة في صحة الحديث.
ولذا قال الذهبي في الموقظة: (فإن كانت العلة غير مؤثرة، بأن يرويه الثبت على وجه، ويخالفه واه، فليس بمعلول. وقد ساق الدارقطني كثيراً من هذا النمط في كتاب العلل فلم يصب، لأن الحكم للثبت).
وقال ابن حجر معقباً على تعريف ابن الصلاح للحديث المعلول: (وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود).
قلت: ولاشك في خطأ قصر تعريف الحديث المعلول على ما ذكره ابن الصلاح، لأنني وجدت الأئمة المتقدمين قد أطلقوا العلة بمعنى أعم مما سبق _كما سيأتي _، وقد اقرّ بهذا ابن الصلاح كما سنورد كلامه بعد قليل.
وإنما أراد الحاكم في تعريفه للحديث المعلول بيان أدق صوره وأغمض أنواعه _ وعلى هذا المعنى وردت عبارات للأئمة ذكروا فيها صعوبة هذا العلم وغموضه ودقته _ ولذلك أورد الحاكم بعد تعريفه السابق قول عبدالرحمن بن مهدي: (لئن أعرف علة حديث عندي أحب إلي من أكتب عشرين حديثاً ليس عندي).
¥