[تقديم الشيخ السعد لكتاب دراسة لحديث أم سلمة في الحج (بحث في جهالة الرواة)]
ـ[الدعاء .. الدعاء]ــــــــ[26 - 04 - 03, 12:48 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إليكم القسم الأول من المقدمة
فمن المسائل التي وقع الخلاف فيها حديث أم سلمة رضي الله عنها ونصه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به ".
فقد أختلف في هذا الحديث أهل العلم:
فمنهم من ذهب إلى ما جاء في حديث أم سلمة هذا، ومن هؤلاء:
1. أبو بكر بن خزيمة، فقال في "صحيحه" (4/ 312): "باب النهي عن الطيب واللباس إذا أمسى الحاج يوم النحر قبل أن يفيض وكل ما زجر الحاج عنه قبل رمي الجمرة يوم النحر" ثم ذكر حديث أم سلمة.
2. وعلي بن محمد بن عبدالوهاب كما في " مجموعة الرسائل والمسائل النجدية " 1/ 257
3. ونسب هذا القول إلى عروة بن الزبير، ولكن في نسبته إليه بعض النظر.
وذهب جمهور أهل العلم إلى عدم القول بهذا الحديث، وانقسموا إلى قسمين:
فمنهم من صحح هذا الحديث - كالنووي وابن جماعة - ولكن ذهبوا إلى القول بنسخ هذا الخبر.
ومنهم من ضعفه و حكم برده - كأبي محمد ابن حزم وغيره - ولعل هذا القول هو الأقرب، فهذا الخبر فيه ضعف ونكارة ولكن هذه النكارة وهذا الضعف ليس بالشديد بحيث يحكم على هذا الخبر بالبطلان، ولذلك قواه جمع سوى من صححه.
فقواه أبو داود، لسكوته عنه، وقد قال: وما سكت عنه فهو صالح.
و رواه الحاكم في "المستدرك" (1/ 489 - 490) وسكت عنه.
وهذا فيه تقوية من الحاكم لهذا الحديث، لأن الأصل فيما ذكره في "المستدرك" هو ما صح عنده، كما ذكر ذلك في المقدمة وفي غيرها من كتبه.
وممن قوى هذا الخبر من حيث الإسناد: البيهقي فقد في كتابه "السنن" وسكت عليه من جهة الإسناد ولم يعله بشيء وإنما تكلم عليه من جهة المتن فقال (5/ 136): وقد رويت تلك اللفظة في حديث أم سلمة مع حكم آخر لا أعلم أحدا من الفقهاء يقول بذلك.
وقوّاه ابن القيم في "تهذيب السنن" (2/ 427) فقال بعد أن ذكر هذا الخبر وهذا يدل على أن الحديث محفوظ.
ويظهر أن ابن كثير سلك في هذا الحديث مسلك البيهقي، فقد ذكر هذا الحديث في "البداية والنهاية" (7/ 620 - 621) - في بيان سياق حجة الرسول صلى الله عليه وسلم - ولم يعلّه بشيء من حيث الإسناد، وإنما تكلم عليه من حيث المتن، فقال: و هذا حديث غريب جدا لا أعلم أحدا من العلماء قال به و الله أعلم اهـ.
وقوّاه أيضا علي بن محمد بن عبدالوهاب عندما أفتى به كما تقدم.
والأقرب أن هذا الخبر فيه ضعف و نكارة كما سيأتي بيانه في هذه الرسالة، فمثله لا يعتمد عليه، ولكن الأولى للحاج أن يطوف في اليوم الأول لأمرين:
1. أن هذا هو السنة فقد طاف عليه الصلاة والسلام في اليوم الأول إما قبل الزوال أو بعده.
2. خروجا من الخلاف الذي وقع بين أهل العلم في هذه المسألة.
هذا وقد اطلعت على ما كتبه الأخ الشيخ / محمد بن سعيد الكثيري في مؤلفه الموسوم بـ: "دراسة حديثية لحديث أم سلمة في الحج" فألفيته كتابا نفيسا في بابه، فريدا في معناه، كثير الفوائد، وقد أحسن - وفقه الله تعالى - في تطبيق القواعد الحديثية سالكاً طريقة الحفاظ المتقدمين، والأئمة السابقين، في الحكم على الأحاديث ونقدها، والله أسأل أن يكتب له التوفيق والسداد.
ومن المسائل التي عرض لها في هذا الكتاب وأجاد فيها: مسألة الجهالة، فقد بين متى يقبل حديث المجهول، ومتى يرد حديثه ولا يقبل، فالجهالة في الأصل علة يرد بها الخبر، ولكن أيضا يقبل حديث من ليس بالمشهور وكان فيه جهالة إذا احتفت به القرائن التي تقوي خبره، وبالذات إذا كان من الطبقات المتقدمة كطبقة كبار التابعين.
قال أبو عبدالله الذهبي في "الميزان" (1/ 211) في ترجمة أسقع بن أسلع عن سمرة بن جندب: ما علمت روى عنه سوى سعيد بن حجير الباهلي، وثقه مع هذا يحيى بن معين، فما كل من لا يعرف ليس بحجة لكن هذا الأصل. اهـ
وقد خرج الشيخان لجمع من الرواة فيهم جهالة.
¥