تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ليس هكذا يا محبي (أئمة الحديث المتقدمين)!]

ـ[ابن معين]ــــــــ[25 - 09 - 03, 09:00 م]ـ

[ليس هكذا يا محبي (أئمة الحديث المتقدمين)!]

(وقفات موجزة مع مسألة من أدق قضايا علم الحديث).

حمداً لك اللهم بالغ التمام.

وشكراً لك اللهم أمد الدوام.

وصلاة وسلاماً على نبينا خير الأنام.

وبعد:

فقد رأيتك _ حرسك الله _ تسنمت مكاناً لست بأهله، ورقيت مقاماً لم تهيئ له.

فذهبت تتكلم في دقائق من هذا العلم، ومضايق في هذا الفن، قد هابها أهلها، ووجل منها أصحابها، فأحجم عنها من لست أقارنه بك، ولا أقاربه لك!

ألم تر أن السيف ينقص قدره ... إذا قيل إن السيف أمضى من العصى!

ولو أنك _ أنار الله بصيرتك _ عرفت في العلم قدرك = لما كلفت نفسك ما لا طاقة لها ولا قبل لها به!

ولعلك رغبت مني دليلاً لما ذكرت، وبرهاناً لما كتبت _ وما كتبت هذه المقالة إلا نصيحة لك، وإشفاقاً عليك! _ وهذا حق من حقك علي، فأرعني سمعك وأحضر ذهنك:

أخي _ أدام الله الأخوة بيننا _ علم الحديث علم فيه دقائق كثيرة، ومباحث شائكة عويصة، وما ذاك إلا لأنه علم لا تحكمه قواعد ثابتة دائماً، ولا مسائل مطردة أبداً.

ومن تلك المسائل الدقيقة، والمضايق العويصة، التي رأيتك تقحمت وعرها، وولجت في عمق بحرها، مع عدم إحسانك لها: تعليلك للحديث بالتفرد مطلقاً، وجعلك للتفرد علة دائماً وأبداً، فحيث ما رأيت تفرداً من راو توقفت عن قبول حديثه حتى تجد له متابعاً، ولم تفرق بين تفرد راو متقدم وآخر متأخر، وبين تفرد عن شيخ مكثر وشيخ مقل، وبين تفرد من هو في أعلى مراتب الثقات وآخر في أدنى مراتب الأثبات.

وإني أراك _ سددك الله _ قد رأيت من تأخر من أهل العلم لم يرفعوا رأساً بتفرد الراوي البتة _ وإن استنكر النقاد حديثه _ مادام أنه ثقة!

فاستنكرتَ ذلك منهم _ وحق لك ذلك _، لكني استنكر منك أن تجعل تفرد الراوي علة دائماً وأبداً في حديثه زاعماً أن هذا هو منهج المتقدمين وليس الأمر كذلك كما سأبينه لك.

وإني أنبيك في هذه المسألة عن علم وممارسة موضحاً لك حقيقتها ومبيناً لك موضع زللك فيها _ مختصراً لك ما استطعت تعويلاً على دقيق فهمك وحسن تدبرك _.

إن الناظر في تصرفات الأئمة النقاد وتطبيقاتهم العملية يجد أن تفرد الراوي عندهم هو مظنة للخطأ.

فحيث قوي عندهم هذا الظن بقرائن يعرفها أهلها فإنهم يعلون الحديث بتفرد راويه وإن كان ثقة.

وحيث لم يجدوا قرائن تقوي هذا الظن، أو وجدوا قرائن تقوي عكس هذا الظن = فإنهم يقبلون هذه الأحاديث مع تفرد رواتها.

فليس التفرد عندهم لوحده علة في أصله كما ظننت، وإلا فبالله عليك قلي ما تقول في غرائب الصحيحين وهي أكثر من مائتي حديث كما جمعها الضياء المقدسي؟!

فإن توقفت وتلكأت فإني أزيدك بياناً وبرهاناً أن الخطيب البغدادي قد نقل الإجماع على قبول حديث الراوي الفرد.

فاحذر _ رعاك الله _ من مخالفة إجماع الأمة.

هذه واحدة، وإليك الثانية:

ـ[ابن معين]ــــــــ[25 - 09 - 03, 09:03 م]ـ

أما الثانية:

فإني رأيتك _ هداك الله للحق _ تعجل بالقول فيما لم تجد له إلا إسناداً واحداً هو حديث غريب، ولعله غريب عليك!

وتستسهل القول بتفرد الراوي، ولعلك متفرد بقولك هذا، وليس من سالف لك!

ولو أنك نسبت كلامك هذا إلى مبلغ علمك ومدى فهمك لكان أولى من إطلاقك الكلام على عواهنه!

لأن حكم المحدث بتفرد أحد الرواة يعني أنه سبر السنة فلم يجد أحداً تابع هذا الراوي الذي زعم تفرده بالحديث.

وأنا أربأ بك أن تدعي هذه الدعوى _ التي هي لباس ليس لك _ دون أن يكون لك إمام سابق يحمل تبعتها!

قال ابن طاهر المقدسي في أطراف الغرائب والأفراد (1/ 44): (وأما الغريب والأفراد فلا يمكن الكلام عليها لكل أحد من الناس، إلا من برع في صنعة الحديث .. ).

وقال ابن الوزير في الروض الباسم (1/ 171): (الحكم على الحديث بالغرابة أو النكارة أو الشذوذ مقام وعر، تدحض فيه أقدام أئمة الحفاظ، فكيف بغيرهم!!

فينبغي من القاصر الاعتراف لأهل الإتقان بالإمامة والتقدم في علومهم .. ).

وقال السخاوي في فتح المغيث (1/ 257) بعد أن تكلم على الحديث الفرد وأنواعه: (وكل ذلك لا ينهض به إلا متسع الباع في الرواية والحفظ.

وكثيراً ما يقع التعقب في دعوى الفردية، حتى إنه يوجد عند نفس مدعيها المتابع!).

وقال السيوطي في التدريب (1/ 119): (وينبغي التوقف عن الحكم بالفردية والغرابة).

هذه الثانية وإليك الثالثة والأخيرة:

ـ[ابن معين]ــــــــ[25 - 09 - 03, 09:05 م]ـ

أما الثالثة:

وهي أني رأيتك _ أعزك الله بطاعته _ قد استعجلت في فهم كلام بعض الأئمة في حكمهم بتفرد بعض الرواة، ولم تقرأ كلامهم بروية، فإن في ألفاظهم دقة توجب التمهل والتروي.

فإنهم _ رحمهم الله _ قد يقولون بتفرد الراوي بالرواية وقصدهم _ أحياناً _ هو تفرده من طريق معين، لا من كل الطرق، فتنبه!

قال ابن دقيق العيد في الاقتراح: (إذا قيل في حديث (تفرد به فلان عن فلان) احتمل أن يكون تفرداًَ مطلقاً، واحتمل أن يكون تفرد به عن هذا المعين خاصة، ويكون مروياً عن غيره لذلك المعين فليتنبه لذلك، فإنه يقع فيه المؤاخذة على قوم من المتكلمين على الأحاديث، ويكون له وجه كما ذكرناه الآن).

وانظر أيضاً: النكت لابن حجر (2/ 708_709، 723).

وختاماً فإني أخشى أن أكون قد أمللت عليك مع شرطي في الاختصار، فأستودعك الله إلى لقاء بإذن الله قريب.

محبك: ابن معين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير