الفرق بين الشذوذ وبين العِلّة - مع توضيح الفرق في المنهج بين المتقدمين والمتأخرين
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[31 - 05 - 03, 06:06 ص]ـ
بسم الله الرحمان الرحيم
أما بعد
فهذا موضوع كتبته منذ زمن طويل استجابة لسؤال أخ في أنا مسلم. ثم إني الآن في صدد كتابة كتاب في شرح الحديث وفق نهج المتقدمين. فقمت بإعادة إثراء هذا البحث وزيادة شرحه، وألحقته في فصل الحديث الصحيح. حيث تحدثت في البداية عن تعريف الحديث الصحيح وبينت أن من شروط الصحة خلو الحديث من الشذوذ والعلة. ثم كتبت هذا البحث لتبيين الفرق بين الشذوذ والعلة لأن المتأخرين وفق تعريفهم المغاير يعتبرون الحديث الشاذ معلولا كذلك.
وسأقوم بإنزالها تدريجياً، حتى يتمكن الإخوة من مناقشتها جميعاً.
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[31 - 05 - 03, 07:34 ص]ـ
تفضّل أخي الأمين (وفقك الله).
ولا أخفيك أنني في شوق لقراءة بحثك هذا.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[31 - 05 - 03, 08:18 ص]ـ
حياك الله أخي هيثم
سأقوم بإذن الله بسرد كلام الحاكم وشرحه في شرح الفرق. ثم أتبعه بالمثال الذي ذكره الحاكم. ثم أشرح ذلك المثال. ثم أترك فرصة للإخوة لمناقشة هذا. ثم أذكر رد الذهبي وابن حجر، مع مناقشة كلامهما. ثم أترك فرصة ثانية للإخوة. ثم أتبع ذلك بكلام ابن القيم، مع مناقشة ذلك.
======
قال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في "معرفة علوم الحديث" (1\ 119): ذكر النوع الثامن والعشرين من علوم الحديث هذا النوع منه معرفة الشاذ من الروايات. وهو غير المعلول. فإن المعلول ما يوقف على علته: أنه دَخَل حديثٌ في حديث، أو وَهمَ فيه راوٍ، أو أرسلَهُ واحدٌ فوصلَهُ واهِم. فأما الشاذ فإنه: حديثٌ يتفرّدُ به ثقةٌ من الثقات، وليس للحديث أصلٌ متابعٌ لذلك الثقة. سمعت أبا بكر أحمد بن محمد المتكلم الأشقر يقول سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول قال لي الشافعي: «ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره. هذا ليس بشاذ. إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً، يخالف فيه الناس. هذا الشاذ من الحديث». انتهى.
أقول: الحاكمُ أورد كلامَ الشافعي (وهو إمامه) عقب كلامه دون استدراكٍ أو معارضةٍ أو أي تعقيب، كهيئة المستدل بكلامه المحتج به. وهذا ظاهِرٌ لمن نظر في سياق كلام الحاكم. ومن تأمّل كلامهما لوجد أنه واحدٌ، خلافاً لفهم كثيرٍ من المتأخرين. فلو تفرد رجل –ثقة لا بأس به– عن الزهري بحديث لم يأت به أحدٌ من أصحابه، وخالف صيغة الحديث الذي رووه، فهذا دليل الشذوذ. ويكون بذلك قد خالف الناس بإيراد حديثٍ ليس له أصلٌ عندهم. حتى لو كان ذلك الرجل بمستوى مالك في الحفظ.
والحديث الشاذ غير الحديث الغريب. ومع أن الغالب على الغرائب الضعف، فإن الحديث الغريب قد يكون صحيحاً، كما في حديث "إنما الأعمال بالنيات" (وهو ليس شاذاً لأن أصله معروف مجمع عليه ولأنه ليس فيه مخالفة). ولكن الحديث الشاذ دوماً ضعيف، لأن من شروط الحديث الصحيح أن لا يكون شاذاً. والحديث الشاذ يكون غريباً، لكن يكون فيه مخالفة. والبعض قد يظن ذلك الحديث مستقلاً بذاته فيزعم عدم وجود المخالفة، غير أن هذا لا يخفى على الجهابذة.
وهذا التعريف يشبه –لا كل الشبه– ما خرج به ابن الصلاح في نوع "الشاذ"، حيث قال في "علوم الحديث" (79): «فخرج من ذلك، أن الشاذ المردود قسمان، أحدهما: الحديث الفرد المخالف. والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف». وقال النووي في التقريب (1\ 272): «والحاصل أن الشاذ المردود هو: الفرد المخالف، والفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده». وهذا التعريف فيه ما فيه، من جهة أن الحاكم والشافعي ما ذكرا شيئاً يتعلق بقوة ضبط الراوي. بل هذا جبل الحفظ مالك قد أخطأ في أحاديث، وللدارقطني كتاب في الأحاديث التي خولف بها مالك. الحديث الذي مثَّلَ به الحاكم –كما سنرى– الشذوذ فيه من طريق قتيبة بن سعيد، وهو ثقةٌ ثبتٌ بإجماعهم. وسترى أثر اختلاف مفهوم الشذوذ في مخالفة المتأخرين لأحكام المتقدمين على الحديث الذي مثَّلَ به الحاكم.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[31 - 05 - 03, 10:01 ص]ـ
¥