5 - ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو منقطع الإسناد ما رواه من طريق عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله تعالى عنه قال: ((إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعمر في العباس رضي الله تعالى عنه: ((إن عم الرجل صنوا أبيه)). وكان عمر رضي الله عنه تكلم في صدقته وقال: هذا حديث حسن.
قلت: أبو البختري: اسمه سعيد بن فيروز ولم يسمع من علي رضي الله تعالى عنه. فالإسناد منقطع ووصفه بالحسن لأنه له شواهد مشهورة من حديث أبي هريرة وغيره وأمثلة ذلك عنده كثيرة. وقد صرح هو ببعضها.
فمن ذلك ما رواه من طريق الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن إسحاق بن عمر
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ((ما صلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة
لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله عز وجل)).
قال: هذا حديث حسن وليس إسناده بمتصل.
وإنما وصفه بالحسن لما عضده من الشواهد من حديث أبي برزة الأسلمي وغيره. وقد حسن عدة أحاديث من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وهو لم يسمع منه عند الجمهور. وحديثاً من رواية أبي قلابة الجرمي عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
ورأيت لأبي عبد الرحمن النسائي نحو ذلك، فإنه روى حديثاً من رواية أبي عبيدة عن أبيه ثم قال: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه إلا أن هذا الحديث جيد.
وكذا قال في حديث رواه من رواية عبد الجبار بن وائل بن حجر: عبد الجبار لم يسمع من أبيه لكن الحديث في نفسه جيد. إلى غير ذلك من الأمثلة. وذلك مصير منهم إلى أن الصورة الاجتماعية لها تأثر في التقوية.
وإذا تقرر ذلك كان من رأيه أي الترمذي أن جميع ذلك إذا اعتضد لمجيئه من وجه آخر أو أكثر نزل منزلة الحسن احتمل أن لا يوافقه غيره على هذا الرأي أو يبادر للإنكار عليه إذا وصف حديث الراوي الضعيف أو ما إسناده منقطع بكونه حسناً فاحتاج إلى التنبيه على اجتهاده في ذلك وأفصح عن مقصده فيه ولهذا أطلق الحسن لما عرف به فلم يقيده بغرابة ولا غيرها ونسبه إلى نفسه وإلى من يرى رأيه قال: ((عندنا كل حديث إلى آخر كلامه الذي ساقه شيخنا بلفظه.
وإذا تقر ذلك بقي وراءه أمر آخر. وذلك أن المصنف وغير واحد نقلوا الاتفاق على أن الحديث الحسن يحتج به كما يحتج بالصحيح، وإن كان دونه في المرتبة. فما المراد على هذا بالحديث الحسن الذي اتفقوا فيه على ذلك هل هو القسم الذي حرره المصنف وقال: إن كلام الخطابي ينزل عليه. وهو رواية الصدوق المشهور بالأمانة ... إلى آخر كلامه أو القسم الذي ذكرناه آنفاً عن الترمذي مع مجموع أنواعه التي ذكرنا أمثلتها، أو ا هو أعم من ذلك؟
لم أر من تعرض لتحرير هذا، والذي يظهر لي أن دعوى الاتفاق إنما نصح على الأول دون الثاني وعيه أيضاً يتنزل قول المصنف أن كثيراً من أهل الحديث لا يفرق بين الصحيح والحسن كالحاكم كما سيأتي وكذا قول المصنف: ((إن الحسن إذا جاء ارتقى إلى الصحة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
فأما ما حررناه عن الترمذي أنه يطلق عليه اسم الحسن من الضعيف والمنقطع إذا اعتضد، فلا يتجه إطلاق الاتفاق على الاحتجاج به جميعه ولا دعوى الصحة فيه إذا أتى من طرق. ويؤيد هذا قول الخطيب: ((أجمع أهل العلم أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به)) وقد صرح أبو الحسن ابن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتابه ((بيان الوهم والإيهام)) بأن هذا القسم لا يحتج به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح أو ظاهر القرآن، (((((وهذا حسن قوي رايق ما أظن منصفا يأباه والله الموفق))))). ويدل على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم [عنده] أن يحتج به أنه أخرج حديثاً من طريق خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه وقال بعده حديث حسن وليس إسناده بذاك.
وقال في كتاب العلم بعده: أن أخرج حديثاً في فضل العلم: ((هذا حديث حسن قال: وإنما لم نقل لهذا الحديث: صحيح، لأنه يقال: إن الأعمش دلس فيه فرواه بعضهم عنه، قال: حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه)) انتهى.
فحكم له بالحسن المتردد الواقع فيه وامتنع عن الحكم عليه بالصحة لذلك، لكن في كل المثالين نظر، لاحتمال أن يكون سبب تحسينه لهما كونهما جاءا من وجه آخر كما تقدم تقريره. لكن محل بحثنا هنا هل يلزم من الوصف بالحسن الحكم له بالحجة أم لا؟ هذا الذي يتوقف فيه والقلب إلى ما حرره ابن القطان أميل.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[08 - 03 - 03, 03:42 ص]ـ
الحمد لله
لقد أحسن الشيخ الطريفي وأجاد في هذا البحث. وما قاله موافق لما كنت أقوله من قبل حول الحديث الحسن: أنه استحسان للمتن وليس للإسناد. ولذلك يدخل في تعريف الحسن من كان في إسناد متروكاً إذا كان المتن قد جاء من وجه آخر كما ذكر الترمذي. وبذلك رددت على أحد المتأخرين في هذا المنتدى ممن رفض تحسين حديث "من بدا جفا ... ".
وقد قمت بجمع الكثير من الأحاديث التي حسنها المتقدمون (وبخاصة الترمذي والبخاري) وبينت أنهم يطلقوا الحسن على الحديث الصحيح المتفق عليه، وعلى الحديث المنكَر الضعيف جداً. لأن التحسين يتأثر بالمتن أكثر من الإسناد. والحديث الحسن قد يكون صحيحاً أو ضعيفاً. فلا غرابة في قول الترمذي "حسن صحيح" أو "حسن غريب".
أما بدعة تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، وجعل الحسن حجة بإطلاقه، فهذا من صنع الخطابي المتأخر، ثم تبنى ذلك ابن الصلاح وتبعه المتأخرون على ذلك.
أما من قال من أهل العلم بأن ما يقول الترمذي عنه "حسن" هو ضعيف عند المتقدمين، فهو شيخ الإسلام ابن تيمية، كما ذكرت أكثر من مرة. وهو محمول على الغالب، وإلا فقد حسن الترمذي بعض الأحاديث المتفق عليها لأسباب عديدة.
¥