ف (زعم) كلمة تطلق ويراد بها الحق وغيره وتتكفل بمعرفة معناها السياقات والقرائن التي تكتنف هذه الكلمة، وإن كانت تطلق أكثر ما تطلق على المشكوك به. إلا أنه ليس وجهاً عاماً قَالَ الزبيدي في تاج العروس 8/ 24: ((وقيل – أي ربما – هو القول يكون الحق ويكون الباطل قَالَ ابن الأعرابي:
وإني أدين لكم أنه يجيزيكم ربكم ما زعم))
وهل زعمُ الرب إلا وعده الحق الذي لا يخلفه.أما تفسيرها في كثير من المعاجم بأنه الكذب وما شاكله فهو تفسيرٌ مجرد من القرائن والسياقات وهذا هو منهج المعاجم، ويفصله ما نقلناه عن الزبيدي وما قاله النووي في شرح حديث ضمام بن ثعلبة-مسلم 1/ 41 - الذي قَالَ لرسول الله?: ((وزعم رسولك أنك تزعم ... )) قَالَ النووي 1/ 141 شارحاً ومبيناً: (قوله: (زعم
وتزعم ... ) مع تصديق رسول الله ? إياه دليل على أن زعم ليس مخصوصاً بالكذب، والقول المشكوك فيه، بل يكون أيضاً في القول المحقق، والصدق الذي لا شك فيه، وقد جاء من هذا كثيرٌ في الأحاديث، وعن النبي ? قَالَ: (زعم جبريل كذا). وقد أكثر سيبويه وهو إمام العربية في كتابه الذي هو إمام كتب العربية من قوله: زعم الخليل، زعم أبو الخطاب يريد بذلك القول المحقق. وقد نقل جماعات من أهل اللغة وغيرهم، ونقله أبو عمر الزاهد في "شرح الفصيح" عن شيخه أبي العباس ثعلب عن العلماء باللغة من الكوفيين والبصريين، والله أعلم).
5 - أما من حيث كلام العلامة الألباني فقد أوضح الشيخ الكريم أن تعقب الألباني كان بعد نقل كلام الإمام البخاري بينما كان تعقبه بعد نقله لكلام الإمام الترمذي، ونبهنا على ذلك لكي يتثبت الناقل مما ينقله.
6 - أما قول العلامة الألباني من أن البخاري وغيره ضعفوا الحديث لتفرد عيسى بن يونس فمردود؛ لأن من ادعى تفرد عيسى بن يونس به هو الإمام الترمذي فقط.
7 - أما من حيث كلامه إن هشام ثقة ممن احتج به الشيخان فأقول: بأن أوثق الرواة من الممكن أن يقعوا في الوهم.
8 - قوله: ربما تفيد التقليل لا الديمومة.
أقول: سلَّم الشيخ بأن ربما تفيد التقليل لا الديمومة، وكأنه أمر متواتر مقطوع به لا يقبل النقض ولا يرقى إليه خلاف. ونحن لا نعتنق مذهبه فقد قَالَ ابن هشام في "مغني اللبيب" 1/ 180:
[وليس – أي ربما – معناها التقليل دائماً ولا التكثير دائماً ... بل ترد للتكثير كثيراً، وللتقليل قليلاً، ومنها قوله تعالى ? رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ? الحجر:2، وفي الحديث
((يا ربَّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) البخاري 1/ 62 (1126)]. وقال أبو حيان في "البحر المحيط" 5/ 442: (ودعوى الاتفاق على أنها موضوعة للتقليل باطلة). هذا، وفي معنى ربَّ خلاف يعرفه أدنى مطالع للمعاجم العربية أو كتب النحو.
ثم أقول: إن الكلمات لا تؤخذ معانيها مجردة عما هي فيه من جمل وما يحفها من سياقات وقرائن.
9 - إن تضعيف الإمام أحمد لرواية الدراوردي عن عبيد الله لم يكن أمراً اعتباطياً، إنما هو نتيجة من هذا الإمام المبجل، عن استقراء وسبرٍ تامين لمرويات الدراوردي عن عبيد الله.
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/ 395: ((ما حدث عن عبيد الله بن عمر فهو عن عبد الله بن عمر)). (وهو في تهذيب الكمال 4/ 528).
وفيه أيضا 5/ 396: ((وربما قلب حديث عبد الله العمري، يرويه عن عبيد الله بن عمر)).
وقال النسائي: ((حديثه عن عبيد الله العمري منكر)) التقريب: (4119).
وشيخنا الدكتور بشار وشعيب الأرناؤوط، على الرغم من أنهما حاولا جاهدين انتقاد ابن حجر، إلا أنهما قالا في هذا الموضع: ((وكتاب الدراوردي صحيح، كما قال الإمام أحمد وغيره، لكنه كان يغلط في أحاديث عبد الله بن عمر العمري الضعيف، فيجعلها عن عبيد الله بن عمر الثقة، ومن أجل هذا الأمر تكلم فيه من تكلم، فيلاحظ هذا. وباقي حديثه صحيح)) التحرير 2/ 372.
ثم من هؤلاء الحفاظ الذين ذكرتهم قبلوا رواية الدراوردي عن عبيد الله؟ مخالفين إمام أهل السنة والجماعة الإمام المبجل أحمد بن حنبل.
¥