تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أي أن الذهبي تعقب الحاكم على هذا الحديث، فقد رأى الحاكم أن مسلماً احتج بأبي بلج هذا، وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: لا يحتج به، وقد وثق"، أي يتهم من وثقه ويتهم من ضعفه.

فالذهبي إما أن يقر الحاكم أن يتعقبه؛ فإذا تعقبه فإنما يتعقبه بتصحيح أو بتضعيف أو بيان أمر من الأمور.

فإذاقال الحاكم: هذا صحيح على شرط البخاري، وحكى الذهبي كلام الحاكم ثم تركه ولم يعلق عليه، قيل: إن الذهبي أقر الحاكم على تصحيحها لهذا الحديث، وذلك مثل قول الذهبي: "يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن أبا بكر لما بعث الجيوش نحو الشام مشى معهم حتى بلغ ثنية الوداع، قالوا: يا خليفة رسول الله تمشي ونحن ركُب "خ-م".

ويقصد الذهبي بـ "خ – م" أن هذا كلام الحاكم؛ أي أن الحاكم صححه على شرط البخاري ومسلم، فيختصر الذهبي كل هذا الكلام بقوله بين قوسين: "خ-م".

وإذا لم يتعقب الذهبي الحاكم فيقال: إن الذهبي قد وافق الحاكم.

أما إذا تعقبه، كأن يكون الحاكم قد قال على الحديث: "إنه صحيح على شرط "البخاري ومسلم"، فيقول الذهبي: "مرسل".

أي ليس الحديث على شرط البخاري ومسلم، فهذا الحديث ضعيف؛ لأنه مرسل.

وقد أخرج الحاكم حديث "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" (16). ولم يصححه على شرط البخاري ومسلم، ولا على شرط واحد منهما، وإنما سكت عنه، فقال الذهبي: "قلت: لم يتكلم عليه المؤلف، وإنما سكت عنه وهو صحيح، لذلك لم أره يتكلم على أحاديث جمة بعضها جيد، وبعضها واهٍ ... إلخ"، فقد تعقب الذهبي الحاكم في هذا الحديث بالتصحيح.

ومن أمثلة ذلك أيضاً حديث عاصم عن زر بن حبيش قال (17):

" خرجت مع أهل المدينة في يوم عيد، فرأيت عمر بن الخطاب يمشي حافياً شيخاً أصلع آدم أعسر أيسر، طوالاً مشرفاً على الناس كأنه على دابة ببرد قطري يقول: عباد الله، هاجروا ولا تهجروا، وليتق أحدكم الأرنب يخذفها بالحصى أو يرميها بالحجر فأكلها، ولكن ليذك لكم الأسل والرماح والنيل".

فقد أخرج الحاكم هذا الحديث وسكت عنه، فتعقبه الذهبي بقوله: "قلت " صحيح".

فإذا أورد الذهبي كلام الحاكم مختصراً ولم يذكر بعده: "قلت"، ولا ذكر كلاماً، فهذا يعني أنه يوافق الحاكم.

وإذا قال: "قلت"، فهذا يعني أن تعقب الحاكم.

الكلام على ما سكت عليه الذهبي وتوضيح الإشكال في ذلك:

وأما إذا لم يذكر شيئاً، لا كلام الحاكم ولا شيئاً من قبل نفسه؛ فهذه هو الذي يُقال عليه "سكوت الذهبي".

ومن ذلك حديث زياد بن لبيد الأنصاري قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُحدث أصحابه، وهو يقول: " قد ذهب أوان العلم" قلت: بأبي وأمي، وكيف يذهب أوان العلم ونحن نقرأ القرآن ونعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا أبناؤهم إلى أن تقوم الساعة؟ فقال: "ثكلتك أمك يا ابن لبيد، إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة، وليس اليهودي والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون منهما شيء؟!.

قال الحاكم: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه" (18).

ولم يذكر الذهبي كلام الحاكم في الهامشي، ولم يعلق عليه. فمثل هذا يقال عنه: سكت الذهبي عنه.

وهذه المسألة من المسائل التي يُخطئ فيها كثير من طلاب العلم في هذا الزمان. وأقول: في هذا الزمان؛ لأنها لم تكن واردة من قبل.

فبعض طلبة العلم في الحديث – وبعضهم كتب هذا في بعض المؤلفات – يقول:

لا تقول: إن الذهبي يُوافق الحاكم، فهذا الكلام غير صحيح؛ لأن الذهبي لا يُمكن أن يخفى عليه مثل هذا الكلام، ونحن نجد أن الذهبي إنما يحكي كلام الحاكم فقط، فكيف تقولون إنه أقر الحاكم؟

وللجواب على ذلك نقول: تختلف أحوال الذهبي مع الحاكم؛ فالذهبي أحياناً يتعقب الحاكم، وقد أوردت بعض أمثلة التعقب، وأحياناً يحكي كلام حكم فقط، فإذا حكاه يقال له: إقرار وموافقة، وقد بينت مثاله، وأما أنه لا يذكر كلام الحاكم إطلاقاً ولا يتعقبه بشيء، فإن هذا سكون. فهي إذن ثلاثة أحوال: تعقب، وإقرار، وسكوت.

نجد أن الذهبي سكت عن حديث عمارة بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر، فقال: "أنزل من القبر؛ لا تؤذي صاحبه ولا يؤذيك " (19).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير