وقال السلمي: سمعت أبا العلاء محمد بن عبد الجبار الفرساني يقول: صرت إلى مجلس أبي بكر بن أبي عليّ المعدل في صغري مع أبي، فلما فرغ من إملائه قال إنسان: من أراد أنّ يحضر مجلس أبي نعيم فليقم - وكان أبو نعيم في ذلك الوقت مهجوراً بسبب المذهب، وكان من بين الحنابلة والأشعرية تعصب زائد يؤدي إلى فتنة وقال وقيل، وصراع طويل - فقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام، وكاد يقتل.
وقال أبو القاسم عليّ بن الحسن الحافظ: ذكر الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد الإصبهاني عمن أدرك من شيوخ إصبهان أنّ السلطان محمود بن سبكتكين لما استولى على إصبهان أمَّر عليها والياً من قبله ورحل عنها، فوثب أهلها بالوالي فقتلوه. فرد السلطان محمود إليها، وأمنهم حتى اطمأنوا. ثم قصدهم يوم جمعة وهم في الجامع فقتل منهم مقتلة عظيمة. وكانوا قد منعوا أبا نعيم الحافظ من الجلوس في الجامع، فسلم مما جرى عليهم، وكان ذلك من كرامته.
وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: رأيت بخط أبي بكر الخطيب: سألت محمد بن إبراهيم العطار مستملي أبي نعيم، عن جزء محمد بن عاصم كيف قرأته على أبي نعيم؟ وكيف رأيت سماعه؟ فقال: فأخرج إلي كتباً وقال: هو سماعي.
فقرأت عليه. قال الخطيب: وقد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها منها أنّ يقول في الإجازة: أخبرنا من غير أنّ يبين.
قال أبو الحافظ أبو عبد الله بن النجار: جزء محمد بن عاصم قد رواه الأثبات عن أبي نعيم. والحافظ الصادق إذا قال: هذا الكتاب سماعي، جاز أخذه عنه بإجماعهم.
قلت: وقول الخطيب كان يتساهل في الإجازة إلى آخره، فهذا يفعله نادراً، فإنه كثيراً ما يقول: كتب جعفر فيما قريء عليه، والظاهر أنّ هذا إجازة. وقد حدَّثني الحافظ أبو الحجاج القضاعي قال: رأيت بخط ضياء الدين المقدسي الحافظ أنه وجد بخط أبي الحجاج يوسف بن خليل أنّه قال: رأيت أصل سماع الحافظ أبي نعيم لجزء محمد بن عاصم فبطل ما تخيله الخطيب.
وقال يحيى بن مندة الحافظ: سمعت أبا الحسين القاضي يقول: سمعت عبد العزيزي النخشبي يقول: لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بن أبي أسامة بتمامه من أبي بكر بن خلاد، فحدَّث به كله.
قال الحافظ بن النجار: وهم في هذا، فأنا رأيت نسخة الكتاب عتيقة، وعليها خط أبي نعيم يقول: سمع مني فلان إلى آخر سماعي من هذا المسند من ابن خلاد، فلعله روى الباقي بالإجازة، والله أعلم.
لو رجمَ النَّجمَ جميعُ الورىلم يصِل الرَّجمُ إلى النَّجمِ
توفي أبو نعيم، رحمه الله، في العشرين من المحرم سنة ثلاثين، وله أربع وتسعون سنة.
وقال في ترجمة ابن منده رحمه الله:
(قلت: وكان أبو نعيم كثير الحط على ابن منده، لمكان المعتقد واختلافهما في المذهب، فقال في تاريخه: ابن منده، حافظ من أولاد المحدثين، توفي في سلخ ذي القعدة، واختلط في آخر عمره، فحدث عن أبي أسيد، وعبد الله ابن أخي أبي زرعة، وابن الجارود، بعد أن سمع منه أن له عنهم إجازة، وتخبط في أماليه، ونسب إلى جماعة أقوالاً في المعتقد لم يعرفوا بها، نسأل الله الستر والصيانة.
قلت: أي والله، نسأل الله الستر وترك الهوى والعصبية. وسيأتي في ترجمته شيء من تضعيفه، فليس ذلك موجباً لضعفه، ولا قوله موجباً لضعف ابن منده، ولو سمعنا كلام الأقران، بعضهم في بعض لا تسع الخرق.)
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[18 - 03 - 05, 02:15 ص]ـ
ص25إلى ص37
أبو نعيم وفنون المعرفة التي كان يتقنها:
محدث مؤرخ مفسر فقيه قاريء، وإن كان تخصصه الأول الذي عُرف به وقُصد من أجله، وبقي ذكره بسببه إنما هو فن الحديث والذي ألف فيه المصنفات.
أبو نعيم والقراءات:
فلقد ذكره ابن الجزري في " غاية النهاية في طبقات القراء ".
أبو نعيم والطب:
ذكره الدكتور أحمد عيسى في عداد الأطباء (معجم الأطباء 1/ 170) لأن له كتاباً في الطب بعنوان " الطب النبوي ".
وعده في الأطباء من أجل ذلك موضع نظر، لأنه ما من محدث إلا ويكون قد اطلع على الأحاديث الواردة في الطب، فهل ندعوا هؤلاء جميعاً أطباء؟
ولو أن الدكتور أحمد عيسى جاءنا بأدلة تؤيد كونه طبيباً غير تأليفه كتاب " الطب النبوي " لما أبدينا مثل هذا التحفظ.
أبو نعيم والتاريخ:
له كتاب " تاريخ أصبهان "، ثم إن كتابه " الحلية " فن من التاريخ محوره التراجم.
أبو نعيم والحديث:
¥