ب - تتبّع أقوال كبار نقاد الحديث على الحديث المراد بحثه، والاستفادة من كل كلمة يقولونها عن الحديث؛ لأنَّ تعاليل الأئمة للأخبار مبنيةٌ في الغالب على الاختصار، والإجمال، والإشارة، فيقولون مثلاً: «الصواب رواية فلان»، أو «وَهِمَ فلان» أو «حديث فلان يشبه حديث فلان» أو «دَخَلَ حديثٌ في حديث» ولا يذكرون الأدلة والأسباب التي دعتهم إلى ذلك القول؛ لأنّ كلامهم في الغالب موجه إلى أناسٍ يفهمون الصناعة الحديثية والعلل، فيدركون المراد بمجرد إشارة الإمام للعلة وذكرها - ومِنْ ثمّ دراسة أسباب هذا الحُكْم من الناقد، ومدى موافقة بقية النقاد له، ومع كثرة الممارسة لكلام النقاد تتكون عند الباحث مَلَكة تؤدي - بتوفيق من الله وإعانة - إلى موافقتهم قبل أنْ يطَّلعَ على كلامهم المعين في الحديث المراد بحثه، وتفيده في دراسة الأحاديث التي لم يتكلموا عليها.
? ? ? ?
سؤال8: ما هو سبب تعمد بعض الرواة لوقف الحديث؟ وهل هو مشابه لتصرف الإمام مالك في إرسال الحديث أحيانا؟
الجواب:
كنتُ كتبتُ بحثاً حول هذه المسألة بعنوان «الثِّقَاتُ الَّذِينَ تَعَمَّدُوا وَقْفَ الْمَرْفُوعِ أو إِرْسَالَ الْمَوْصُولِ» ومما جاء فيه مما يتعلق بإجابة هذا السؤال:
الرُّوَاة –من حيثُ وَقْفهم الْمَرْفُوع، وَإِرْسَالهم الْمَوْصُول - على قسمين:
1 - الضعفاء-على تفاوت درجاتهم – فهذا القسم وقفهم للمرفوع، وقصرهم للإسناد ناتج عَنْ سوء حفظهم فهو من باب الوهم والخطأ.
2 - الثِّقَات وهم في هذا الباب على قسمين:
أ- ثقات يقفون المرفوع، ويرسلون الموصول من غير عَمْد فهذا من باب الوهم والخطأ الذي لم يسلم منه أحد، قَالَ أحمد بن حنبل: ((ما رأيتُ أحدا أقلَّ خطأ من يحيى بنِ سعيد، ولقد أخطأ في أحاديث، ومن يعرى من الخطأ والتصحيفِ!)) (17)، وَقَالَ ابنُ معين: ((مَن لم يخطئ فهو كذاب)) (18)، وَقَالَ: ((لستُ أعجب ممن يحدّث فيخطئ إنما أعجب ممن يحدث فيصيب)) (19)، وَقَالَ الترمذيُّ: ((لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم)) (20)
ب- ثقات يقفون المرفوع، ويرسلون الموصول عمداً وقصداً لأسباب متعددة - وهؤلاء هم موضوعُ الْبَحْث ومقصده -، وهذه بعض أقوال النقاد الدالة على هذا النوع من الرُّوَاة:
1 - قَالَ عبدُ الرحمن بنُ مهدي حدّثنا شُعْبة عَنْ السُّدي عَنْ مُرّة عَنْ عبدالله بن مسعود ?وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا? (مريم:71) قَالَ: يردونها ثم يصدرون بأعمالهم "، قَالَ عبدالرحمن قلتُ لشعبة: إن إسرائيل حدثني عَنْ السُّدي عَنْ مُرّة عَنْ عبد الله عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ شُعْبة: وقد سمعته من السُّدي مرفوعاً ولكني عمداً أدعه.
2 - وَقَالَ الحميديُّ- بعد رواية حَدِيث " الربا في النسيئة" -: ((كَانَ سفيانُ- هو: ابن عُيينة- رُبما لم يرفعه، فقيل له في ذلك، فَقَالَ: أتقيه أحيانا لكراهية الصرف، فأما مرفوع فهو مرفوع)).
3 - وَقَالَ المروذيّ سألته –يعني أحمد بن حنبل - عَنْ هشام بن حسان؟ فَقَالَ: أيوبُ، وابنُ عون أحبّ إليّ، وحسّن أمرَ هشام، وَقَالَ: قد رَوى أحاديث رفعها أوقفوها، وقد كَانَ مذهبهم أن يقصروا بالحديث ويوقفوه (21).
4 - وَقَالَ ابنُ أبي حاتم: ((سألتُ أبي وأبا زرعة عَنْ حَدِيث رَوَاهُ يزيدُ بنُ زُرَيع وَخَالدُ الواسطيّ وَزُهَيرُ بنُ معاوية ويحيى بنُ أيوب وَأبو بكر بنُ عيّاش فَقَالوا كُلُّهم: عَنْ حُمَيد، عَنْ أنس قَالَ: عَادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً قَد جَهِدَ حَتى صَارَ مِثل الفرخ مِنْ شدةِ المرض، فَقَالَ: هل كنتَ تدعو الله بشيء، قَالَ: نعم، كنتُ أقولُ: اللهم ما كنتَ معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا الحَدِيث، فَقَالا: الصحيحُ عَنْ حميد عَنْ ثابت عَنْ أنس، قلتُ: مَنْ رَوَى هَكَذا فَقَالا: خالدُ بنُ الحارث والأنصاريّ وغيرهما قلتُ: فهؤلاء أخطأوا؟ قالا: لا, ولكن قَصروا، وكان حميد كثيرًا ما يرسل)) (22).
¥