كلاهما (محمد بن جعفر، ووكيع) قالا: حدَّثنا شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أتَى النَّبِيَّ ?، فَأسْلَمَ عَلَى أنَّهُ لاَيُصَلِّي إِلاَّ صَلاَتَيْنِ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ.
وهذا الحديث إسناده صحيح متصل:
فشعبة وقتادة متفق على توثيقهما وجلالتهما، وقتادة معروف بالإرسال ويدلس فيتأنى في روايته، ولكن هذا الإسناد من رواية شعبة عنه، وشعبة لا يحدث عن شيوخه الذين ربما دلسوا إلا بما تحقق أنهم سمعوه، قال ابن حجر: «فالمعروف عنه أنه كان لا يحمل عن شيوخه المعروفين بالتدليس إلا ما سمعوه فقد روينا من طريق يحيى القطان عنه أنه كان يقول: كنت أنظر إلى فم قتادة فإذا قال: سمعت وحدثنا حفظته وإذا قال: عن فلان تركته رويناه في المعرفة للبيهقي، وفيها عن شعبة أنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة الأعمش وأبو إسحاق وقتادة، وهي قاعدة حسنة تقبل أحاديث هؤلاء إذا كان عن شعبة ولو عنعنوها» النكت على ابن الصلاح (2/ 630) وقال نحوا من ذلك في طبقات المدلسين (ص58)
وهو متصل إذ الصحيح أنّ التابعي الثقة إذا قال: حدثني رجل من الصحابة أو عن رجل من الصحابة ونحو ذلك أنه حجة ما لم تدل قرينة على غير ذلك. وقد قال الحميدي –شيخ البخاريّ-: «إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة وإن لم يسم ذلك الرجل» وفي هذه المسألة مناقشات مبسوطة في موضعها من كتب علوم الحديث، وقول نصر بن عاصم: «عن رجل منهم» يشعر بمعرفته الصحابي وبسماعه منه.
وابن أبي عاصم ذكر هذا الحديث في مسند معاوية الليثي، وذكر قبله حديث قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن معاوية الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يصبح الناس مجدبين فيأتيهم برزق من عنده فيقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، فاستفاد من هذا الحديث أن الرجل المبهم في حديث الصلاة أنه معاوية الليثي، وهذا المأخذ- في رأيي – قوي إن سلم هذا الحديث من علة الاضطراب!.
ونلحظ أنّ الإمام أحمد بن حنبل لم يذكر في مسند معاوية الليثي من مسنده إلا الحديث الثاني فقط والذي فيه التصريح باسمه، وكذلك فعل أبو داود الطيالسي في مسنده، والطبراني في معجمه الكبير.
ملحوظة:
أخرج الحديث أبونعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (رقم7303) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال: حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدَّثنا محمد بن جعفر قال: حدَّثنا شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أتَى النَّبِيَّ ?، فَأسْلَمَ ألا يصلي إِلاَّ صَلاَتَيْنِ، فَقَبِلَ ذَلِكَ، فقال: «إن يقبل منه، فإذا دخل في الإسلام أمر بالخمس».
وقوله: «إن يقبل منه، فإذا دخل في الإسلام أمر بالخمس» زيادة غريبة وهي غير موجودة في المسند، ويظهر لي أنها زيادة تفسيرية من الراوي إمَّا من أبي نعيم أو من شيخه، والله أعلم.
وأمَّا فقه الحديث: فيمكن إيجازه بالنقاط الآتية:
1 - هذا الحديث يتعلق «بفقه دعوة الكفار إلى الإسلام» وهو التدرج معهم وتأليف قلوبهم ولذا بوّب ابن حجر على الحديث بقوله: «باب التألف على الإسلام» كما في المطالب العالية (9/ 537)، وهنا يتفطن أنه ربما لا يفقه بعض الكفار الدين الإسلامي حقيقة أو يثقل عليه شيء منه ولكن ما إن يدخل في الإسلام وتستقر حلاوة هذا الدين في قلبه حتى يكون أشد حماسا وتمسكا من بعض المسلمين الأصليين، وهذا أمر مشاهد، وقال أبو داود في السنن: حدثنا الحسن بن الصباح أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثني إبراهيم عن أبيه عن وهب قال: سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت قال: اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: " سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلمو".
2 - وفي الحديث دليل على صحة الإسلام مع الشرط الفاسد فيقبل منه الإسلام قبولا مبدئيا ترغيبا له فيه ثم يرشد وينصح ويأمر بالخمس كلها لذا بوب مجد الدين ابن تيمية على هذا الحديث وغيره بقوله: «باب صحة الإسلام مع الشرط الفاسد» كما في المنتقى (2/ 4164) قلتُ: ويشبهه الشرط الفاسد في البيوع فيصح البيع مع فساد الشرط!.
¥