تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال أيضا في سننه (3/ 174): فأما من لم يرو عنه إلا رجل واحد، وانفرد بخبر وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه غيره.

قال أبو عبد الباري: ذهب أسامة عبد اللطيف القوصي في كتاب الأذان إلى عدم صلاحية مجهول العين للتقوية، وذلك في مواضع متعددة منه، قال (ص 207) وانظر لمزيد من كلامه في (50، 63 وغيرها). في يزيد بن صالح أو صليح:قال فيه الحافظ: مقبول، وكان الأصوب أن يقول مجهول، لأنه تفرد بالرواية عنه حريز بن عثمان فجهالته جهالة عين، ولا يصلح حديثه في الشواهد أهـ. وقال أيصا في عباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم: ففي التقريب مستور، وهذا يقتضي جهالة حاله، ولكنه لم يرو عنه إلا ابن أبي هند كما في تهذيب التهذيب، فجهالته جهالة عين، فلا يصلح حديثه في الشواهد.

وقال وهو يحتج لذلك في كتابه (ص 63) هامش (1) ط. الأولى.: " لأن أهل العلم فرقوا بين رواية مجهول الحال ورواية مجهول العين، وبينوا أن جهالة العين لا ترتفع إلا برواية اثنين فأكثر عن الراوي، ولهذا ذكروا مجهول الحال فيمن يعتضد حديثه ولم يذكروا مجهول العين فتأمل أهـ كلامه بحروفه!!

هذه حجته، وقد تقدم لك كلام الإمام الدارقطني في غير موضع تصريحه بتقوية الحديث الذي يرويه مجهول العين، كما يتضح لك من صنيع العلماء تقوية أحاديث هذا الصنف من الرواة بالمتابعات والشواهد، فلا يصلح لقائل أن يقول بعد ذلك إن العلماء لم يذكروا خبر مجهول العين فيما يعتضد من الأخبار والله أعلم.

ورأيت بعض من ذهب هذا المذهب احتج بمفهوم كلام الحافظ في النزهة (ص 111): ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبر بأن يكون فوقه أو مثله لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز والمستور الإسناد والمرسل وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه صار حديثهم حسنا لا لذاته بل وصفه بذلك باعتبار لمجموع من المتابع والمتابع ... .

وهذا الاحتجاج ضعيف من وجهين:

الوجه الأول: أن ما تقدم من صريح كلام الدارقطني مقدم على هذا المفهوم، وقد تقرر في علم دلالات الألفاظ (أصول الفقه) أن المنظوق الصريح أقوى من المفهوم، وأن شرط اعتبار المفهوم ألا يعارض المنطوق الصريح.

ويضاف لذلك قول الحافظ ابن تيمية بعد كلام (مجموع الفتاوى 13/ 352) " والمقصود هنا: أن تعدد الطرق مع عدم التشاعر أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون المنقول، لكن هذا ينتفع به كثيرا في علم أحوال الناقلين، وفي مثل هذا ينتفع برواية المجهول والسيء الحفظ وبالحديث المرسل ونحو ذلك، ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون: إنه يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره اهـ.

فانظر كيف صرح شيخ الإسلام ابن تيمية على أن هذا هو قول العلماء، لم يستثن منهم أحدا، وذكر أن هذا حكم حديث المجهول من غير فرق بين الجهالة الحالية والجهالة العينية، فهل بعد ذلك يقال: لم يقل أهل العلم بتقويته؟!

وذكر الزركشي في النكت (3/ 380 - 382 تحقيق بلافريج) بعض من قيل عنهم مجهول _ أي مجهول عين – في الصحيحين فقال: وقد استشكل بما في الصحيحين من الرواية عن جماعة نسبوا للجهالة، ففي الصحيحين من طريق شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهب وابنه محمد كلاهما كلاهما عن موسى بن طلحة عن أبي أيوب حديث السائل:" أخبرني بعمل يدخلني الجنة "، وقد قالوا: محمد بن عثمان مجهول.

وكذا أخرجه مسلم عن أبي يحيى مولى آل جعدة عن أبي هريرة " ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط " وأبو يحيى مجهول.

والجواب: أنه لم يقع الاحتجاج برايو من ذكر على الاستقلال، أما محمد بن عثمان فلم يخرج له إلا مقورنا بأبيه عثمان، وأبوه هو العمدة في الاحتجاج، وكذلك أبو يحيى إنما أخرج مسلم حديثه متابعة حديث ثقة مشهور، فإن مسلما رواه أيضا من حديث الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة، فصار حديث أبي حيى متابعة اهـ.

فهذا الجواب من الإمام الزركشي صريح في قبول مجهول العين في المتابعات والشواهد، وأنه إنما يمتنع قبوله استقلالا، ولا يمتنع قبوله ما لم ينفرد بالرواية وهو المطلوب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير